وروى فريق من المؤرخين ، فيهم الطبري وابن الأثير : " أن معاوية أرسل إلى الحسن صحيفة بيضاء مختوماً على أسفلها بختمه " ، وكتب اليه : " أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت ، فهو لك [1] " . ثم بتروا الحديث ، فلم يذكروا بعد ذلك ، ماذا كتب الحسن على صحيفة معاوية . وتتبعنا المصادر التي يُسّر لنا الوقوف عليها ، فلم نر فيما عرضته من شروط الحسن عليه السلام ، الا النتف الشوارد التي يعترف رواتها بأنها جزء من كل . وسجّل مصدر واحد صورة ذات بدء وختام ، فرض أنها [ النص الكامل لمعاهدة الصلح ] ، ولكنها جاءت - في كثير من موادّها - منقوضة بروايات أخرى تفضلها سنداً ، وتزيدها عدداً . * * * ولنا لو أردنا الاكتفاء ، أن نكتفي - في سبيل التعرّف على محتويات المعاهدة - برواية ( الصحيفة البيضاء ) ، كما فعل رواتها السابقون ، فبتروها اكتفاءً باجمالها عن التفصيل ، ذلك لان تنفيذ الصلح على قاعدة " اشترط ما شئت فهو لك " معناه أن الحسن أغرق الصحيفة المختومة في أسفلها ، بشتى شروطه التي أرادها ، فيما يتصل بمصلحته ، أو يهدف إلى فائدته ، سواء في نفسه أو في أهل بيته أو في شيعته أو في أهدافه ، ولا شئ يحتمل غير ذلك . وإذا قدّر لنا - اليوم - أن لا نعرف تلك الشروط بمفرداتها ، فلنعرف أنها كانت من السعة والسماحة والجنوح إلى الحسن ، بحيث صححت ما يكون من الفقرات المنقولة عن المعاهدة أقرب إلى صالح الحسن ،
[1] الطبري ( ج 6 ص 93 ) وابن الأثير ( ج 3 ص 162 ) .