الناس هنا وهناك . وهي الأشهر التي ختمت أعمالها بأفضل خواتيم الاعمال في الاصلاح ، ووصلت بخاتمتها الفضلى مصلحة الدنيا بمصلحة السماء . وإذا بالحسن بن علي ، هو ذلك المصلح الأكبر ، الذي بشّر به جده رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في الحديث الذي سبق ذكره : " ان ابني هذا سيد وسيصلح اللّه به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " . وان اللّه سبحانه عوّد أهل هذا البيت أن يحفظ لهم الشرف في أعلى مراتبه وفي مختلف ميادينه ، فان لم يكن بالانتصار بالسلاح ، فليكن بالشهادة الكريمة في اللّه وفي التاريخ . وان لم يكن بهذا ولا ذاك فليكن بالاصلاح وجمع الكلمة وتوحيد أهل التوحيد . وكفى بالاصلاح شرفاً وكفى ببقاء الشرف انتصاراً . وبقاء الشرف ضمان لبقاء العزة . والعزة حافز دائب يدفع إلى الحياة ويقوم على السيادة . ومن السهل ان نفهم دوافع الحسن إلى الصلح مما ذكرنا . * * * أما دوافع معاوية التي اندلف بها من جانبه إلى طلب الصلح ، فقد كانت من نوع آخر لا يرجع في جوهره إلى العجز عن القتال ، ولا ينظر في واقعه إلى وجهة نظر دين أو اصلاح أو حقن دماء ، فلا الاصلاح ولا حقن الدماء بالذي يعنى به معاوية فينزل له عن مطامعه في الفتح . وفي غاراته على المدينة ومكة واليمن ، ومواقفه الجريئة بصفين ، ما يزيدنا بصيرةً في معرفة الرجل وان قلّ عارفوه . إذاً ، فليكن طموحاً نفعياً خالصاً ، هو الأشبه بتاريخ معاوية الذي جاء تاريخه أشبه باسطورة . انه خُيّل اليه بأن تنازل الحسن له عن الحكم ، سيكون معناه في الرأي العام ، تنازله عن " الخلافة " . وظن أنه سيصبح - على هذا -