وكانت الجيوش والأسلحة والحركات السوقية في الزحف إلى المعسكرات ، هي الأخرى بعض وسائله إلى الصلح ، ولم يشأ أن يبدأ بهم غاراته على العراق ، لأنه لن يلتحم مع الحسن بقتال ، الا إذا أعيته الوسائل كلها ، والوسائل في عرف معاوية ، غير الوسائل في عرف الناس أو في عرف الدين الجديد . ومن الحق أن نقول : ان وسائله في هذا الميدان ، كانت من النوع المحبوك الصنع ، الدقيق الأساليب ، الموفق كل التوفيق ، في سبيل الغرض الذي رمى اليه ، من اصطناع الظرف الخاص الذي يذكر عدوه بالصلح . فإذا باع القائد في جبهة العراق ضميره لمعاوية بالمال ، وباع معه أكثر الرؤساء ضمائرهم بالعِدات . وإذا أصبح المعسكران في مسكن والمدائن يعجان بالشائعات التي راحت تمطرهما بوابل من الويل والثبور والمخاوف . وإذا أصبح الحسن نفسه لا يتسنى له تنفيذ أوامره في جيشه بما فعلته الأراجيف من حوله ، بل لا يستطيع الظهور بشخصه أمام الكثرة من جنوده ، الا ليغتال بين مضاربه وعلى سواعد أصحابه . فهل من سبيل الا الصلح ؟ . . * * * انه الظرف الذي استعصى صلاحه بفساد ناسه ، ولا تثريب على الحسن من ظرفه إذا فسد ، وناسه إذا فشت فيهم الفتنة ، وان لانحراف الطبائع حكمه ، ولحداثة الاسلام خاصتها ، في القلقين من المسلمين أو في المفروضين على الاسلام فرضاً . وإذا قدر للحسن أن يخسر بخيانة جنوده ، أو ببراعة الفتن التي تسلح بها عدوه " معركته الأولى " ، فليكن منذ اليوم عند " معركته الثانية " التي لا تنالها خيانة الجنود ، ولا يضيرها انحراف الطبائع ، ولا تزيدها