وما كان بدعاً من محاولات معاوية فيما يهدف اليه ، أن يبتدر هو إلى طلب الصلح [1] ، فيعطي الحسن كل شرط ، ليأخذ عليه شرطاً واحداً هو " الملك " . وقرر معاوية خطته هذه ، في بحران نشاط الفريقين للحرب ، وكان في توفره على تنفيذ هذه الخطة ، أعنف منه في عمله لتنظيم المعسكرات وتدبير شؤون الحرب . ورأى ان يبادئ الحسن بطلب الصلح ، فان أجيب اليه فذاك ، والا فلينتزعه انتزاعاً ، دون أن يلتحم والحسن في قتال . وكان عليه قبل كل شئ ، أن يصطنع في سبيل التمهيد إلى غايته ، ظرفاً من شأنه ان ينبّه خصومه إلى تذكر الصلح . ومن هنا طلعت على معسكرات الحسن عليه السلام ، ألوان الأراجيف ، وعمرت سوق الرشوات ، وجاء في قائمة وعوده التي خلب بها ألباب كثير من الزعماء أو المتزعمين : رئاسة جيش ، وولاية قطر ، ومصاهرة على أميرة أموية ! ! . . وجاء في أرقام رشواته النقدية الف الف [ مليون ] ! . واستعمل في سبيل هذه الفكرة كل قواه وكل مواهبه وكل تجاربه ، واستجاب له كثير من باعة الضمائر الذين كانوا لا يفارقون الحسن ظاهراً فإذا هم عيون معاوية التي ترى ، وأصابعه التي تعمل ، وعملاؤه الذين لا يدخرون وسعاً في ترويج أهدافه .
[1] هذا هو الصحيح كما دل عليه خطاب الحسن فيما استشار به أصحابه في " المدائن " فقال : " ألا وان معاوية دعانا لامر ليس فيه عز ولا نصفة . . " ، وكما دلت عليه مصادر أخرى خلافاً لبعض المؤرخين الآخرين ، والترجيح لخطاب الحسن عليه السلام .