بالجنة ، ولا الإعتقاد بوجودها . . بل لا بد أن تصبح بحيث يراها أمام عينيه . ولا تكون غائبة عنه . . وهذا بنفسه يمثل داعياً له إلى المبادرة إلى ساحة الجهاد ، من دون حاجة إلى تحريض من أحد . . بل المحرض موجود في داخل نفسه . يحرضه بوجوده العيني ، وبالمشاهدة المتواصلة له ، ولذلك قال : « نصب أعينهم » ، فإن هذا أقوى في التحريك من كل شيء . وَلَوِّحْ مِنْهَا لأَبْصَارِهِمْ مَا أَعْدَدْتَ فِيهَا مِنْ مَسَاكِنِ الْخُلْدِ وَمَنَازِلِ الْكَرَامَةِ : ولا بد من بذل الجهد ثقافياً وتربوياً إلى الحد الذي يجعل المرابط المجاهد يعيش نعيم الجنة وكأنه حاضر أمامه ، ويبدأ ذلك بإيصاله إلى مرحلة تحصل فيها النفس قبل كل شيء على ما هي الأحوج إليه ، ألا وهو السكون في مقابل القلق . فإن الإنسان يعيش القلق على نفسه في بقائها ، فيحتاج إلى السكون في هذا الأمر بالذات . فيأتيه السكون ليس إلى مجرد الاستمرار والبقاء ، بل إلى ما فوق ذلك أيضاً ، وهو الخلد الذي هو غاية طموح الإنسان . . واختار الإمام « عليه السلام » الحديث عن سكنى الخلد لا عن جنات عدن مثلاً ، ربما ليفيد أن في تلك المساكن خصوصية تفهم الناس بأن الخلد حاصل فيها ، وقد جاء في زيارة الإمام الحسين « عليه السلام » : « أشهد أن دمك سكن في الخلد » [1] .
[1] الكافي ج 4 ص 576 وكامل الزيارات ص 364 ومن لا يحضره الفقيه ج 2 ص 595 وتهذيب الأحكام ج 6 ص 55 والوسائل ( ط دار آل البيت ) ج 14 ص 491 و ( ط دار الإسلامية ) ج 10 ص 383 والبحار ج 98 ص 152 و 266 .