خلطته فرحة ، ورؤيته حجّة . صفّاه العلم من كلّ كدر كما يصفّي النار خبث الحديد . مذاكراً للعالم ، معلّماً للجاهل . كلّ سعي عنده أحمد من سعيه ، وكلّ نفس عنده أخلص من نفسه . عالماً بالغيب ، متشاغلاً بالغمّ ، لا يفيق لغير ربّه ، فريداً ، وحيداً . يحبّ الله ويجاهد في مرضاته ، لا ينتقم لنفسه ، ولا يوالي أحداً في مسخطه . مجالساً لأهل الفقر ، موازراً لأهل الحقّ ، عوناً للغريب ، أباً لليتيم ، بعلاً للأرملة حفيّاً بأهل المسكنة ، مأمولاً لكلّ كربة ، مرجوّاً لكلّ شدّة ، هشّاشاً ، بشّاشاً ، ليس بعبّاس ، ولا حبّاس ؟ دقيق النظر ، عظيم الخطر ، لا ينحل وإن نحل ، أعانه الله على أمره . استشعر الخوف ، وغلبه الحزن ، وأضمر اليقين ، وتجنّب الشكّ والشبهات ، وتوهّم الزوال . مصابيح الهدى في قلبه ، يقرّب البعيد ويهوّن عليه الشديد ، نظر فأبصر ، وبكّر فاستكثر ، حتّى إذا روى من عذب فرات قد سهلت موارده فشرب نهلاً ، وسلك سبيلاً سهلاً ، لم يرَ مظلمةً إلاّ أبصر خلالها ، و [ لا ] مبهمةً إلاّ عرف مداها ، قد خلع سرابيل الشهوات من قلبه ، وردّ كلّ فرع إلى أصله ، فالأرض التي هو فيها مشرقة بضيائه ، ساكنة إلى قضائه . سراجاً [ وهاجاً ] ، مصباح ظلمات ، دليل فلوات ، لم يجد إلى الخير مسلكاً إلاّ سلكه ، فالعلم ثمرة قلبه ، يضع رجله حيث تقلّه ، والنّاس عن سراطهم ناكبون