والجواب على هذا النوع من الاستدلال : أنه أجنبي على اعتبار ما يصدر عنهم من السنة ، وغاية ما يدل عليه - لو صح - أنّ جمهور العلماء كانوا يرونهم في مجالات الرواية أو الرأي أوثق أو أوصل من غيرهم ، والصدق والوثاقة وأصالة الرأي شيء وكون ما ينتهون إليه هو من السنة شيء آخر ، وقول الشافعي الذي نقله نفسه يبعدهم عن هذا المجال ، إذ كيف يمكن له أن يحج من كان قوله سنة ؟ ! وهل يستطيع أن يقول مثل هذا الكلام عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ ! على أنّ هذا النوع من الترجيح لأقوالهم لا يعتمد أصلا من أصول التشريع ، والعلماء لم يتفقوا عليه ليشكل اتفاقهم إجماعاً يركن إليه . الرابع : ما جاء في الأحاديث من إيجاب محبتهم ، وذم من أبغضهم ، وأنّ من أحبهم فقد أحب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ومن أبغضهم فقد أبغض النبي عليه الصلاة والسلام ، وما ذاك من جهة كونهم رأوه أو جاوروه فقط ، إذ لا مزية في ذلك ، وإنّما هو لشدّة متابعتهم له وأخذهم أنفسهم بالعمل على سنته مع حمايته ونصرته ، ومن كان بهذه المثابة حقيق أن يتخذ قدوة وتجعل سيرته قبلة [ الموافقات 4 / 79 ] . والجواب عن هذا الاستدلال أوضح من سابقه ، لأنّ ما ذكره من التعليل لا يكفي لإعطائهم صفة المشرّعين أو إلحاق منزلتهم بمنزلة النبوة ، وغاية ما يصوّرهم أنهم أُناس لهم مقامهم في خدمة الإسلام والالتزام بتعاليمه ، ولكنه لا ينفي عنهم الخطأ أو السهو أو الغفلة ; على أنّ لأرباب الجرح والتعديل حساباً مع الكثير من روايات هذا الباب ، لا يهم عرضها الآن . هذا كلّه من حيث اعتبار ما يصدر عنهم من السنة ، أما جعله الحجية لأقوالهم من حيث كونهم رواة ومجتهدين فلذلك حساب آخر يأتي في موضعه في مبحث ( مذهب الصحابي ) .