ولكن هذا الاحتمال بعيد جداً ، لمنافاته بصراحة لرواية أبي هريرة السابقة التي صرحت بقولها : " فلا أراه يخلص إلاّ مثل همل النعم " ، وهي أبلغ كناية عن القلّة ، ومعنى ذلك أنّها حكمت على أكثرهم بالارتداد ، ومعلوم أنّ هؤلاء المرتدّين الذين حاربهم الخليفة لا يشكلون إلاّ أقل القليل . ولولا أنّنا في مقام التماس الأدلّة إلى أحكام اللّه عزّ وجل ، وهو يقتضينا أن لا نترك ما نحتمل مدخليته في مقام الحجية رفعاً أو وضعاً ، لكنّا في غنى عن عرض هذه الأخبار والأحاديث والتحدّث فيها . وما يقال عن هذه الأحاديث ، يقال عن آية : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً ) [ آل عمران : 144 ] ، وكأن هذه الأحاديث واردة مورد التفسير لهذه الآية ، ومؤكدة لتحقق مضمونها بعد وفاته . الثالث : أنّ جمهور العلماء قدّموا الصحابة عند ترجيح الأقاويل ، فقد جعل طائفة قول أبي بكر وعمر حجة ودليلا ، وبعضهم عدّ قول الخلفاء الأربعة دليلا ، وبعضهم يعدّ قول الصحابة على الاطلاق حجة ودليلا ، ولكل قول من هذه الأقوال متعلّق من السنة ، وهذه الآراء وإن ترجّح عند العلماء خلافها ففيها تقوية تضاف إلى أمر كلّي هو المعتمد في المسألة وذلك أنّ السلف والخلف من التابعين ومن بعدهم يهابون مخالفة الصحابة ويتكثّرون بموافقتهم ، وأكثر ما تجد هذا المعنى في علوم الخلاف الدائر بين الأئمة المعتبرين ، فتجدهم إذا عيّنوا مذاهبهم قدّموا ذكر من ذهب إليها من الصحابة ، وما ذاك إلاّ لما اعتقدوا في أنفسهم وفي مخالفيهم من تعظيمهم وقوة مآخذهم دون غيرهم وكبر شأنهم في الشريعة ، وأنهم مما يجب متابعتهم وتقليدهم فضلا عن النظر معهم فيما نظروا فيه ; وقد نقل عن الشافعي أنّ المجتهد قبل أن يجتهد لا يمنع من تقليد الصحابة ويمنع من غيره ، وهو المنقول عنه في الصحابي : كيف أترك الحديث لقول من لو عاصرته لحججته ؟ ولكنه مع ذلك يعرف لهم قدرهم [ الموافقات 4 / 77 ] .