وأما المناقشتان الثانية والثالثة : فهما واضحتا البطلان ، لإنكار الأولية ، والأولوية في القضاء التي يكون مساقها مساق القضية الحقيقة ، لأنّ نسبتها إلى الجميع تكون نسبة واحدة من حيث الدلالة اللفظية ، على أنّ أولية الدخول أو أولويته لا يستلزم صرف الخطاب إليهم وقصره عليهم ، لأنّ مقتضاهما يوجب مشاركة الغير لهم في الدخول مع تأخير في الزمان أو الرتبة ، فما ذكره من الاختصاص بهم من هذه الجهات لا يخلو من مؤاخذة . ومع ثبوت التعميم لا يمكن إثبات أحكام السنة لجميع الأمة كما هو واضح . وما يقال عن هذه الآية يقال عن الآية الثانية ، فهي بالإضافة إلى هذه المؤاخذات على الاستفادة منها والغض عن تسليم إفادتها لعدالتهم جميعاً ، أنّ مجرد العدالة لا يوجب كون كلّ ما يصدر عنهم من السنة ، وإلاّ لعمّمنا الحكم إلى كلّ عادل ، سواء كان صحابياً أم غير صحابي ، لورود الحكم على العنوان كما هو الفرض ، وغاية ما تقتضيه العدالة هو كونهم لا يتعمدون الخطيئة ، أما مطابقة ما يصدر عنهم للأحكام الواقعية ليكون سنة فهذا أجنبي عن مفهوم العدالة تماماً . والثاني : ما جاء في الحديث من الأمر باتباعهم ، وأنّ سننهم في طلب الاتباع كسنة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، كقوله : " . . . فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسّكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ . . . " [ مسند أحمد : مسند الشاميّين ح 16522 ] ، وقوله : " تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلّها في النار إلاّ واحدة " قالوا : ومن هي يا رسول اللّه ؟ قال " ما أنا عليه وأصحابي " [ سنن الترمذي 5 / 26 ح 2641 ] ، وعنه أنّه قال : " أصحابي مثل الملح لا يصلح الطعام إلاّ به " ، وعنه أيضاً : " إنّ اللّه اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين ، واختار لي منهم أربعة : أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً ، فجعلهم خير أصحابي ، وفي أصحابي كلّهم خير " [ مجمع الزوائد 10 / 16 ] ، ويروى في بعض الأخبار : " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " [ لسان الميزان 2 / 488 ] ، إلى غير ذلك مما في معناه [ الموافقات 4 / 76 ] .