إلى كثير من الإهانات والموبقات الكثيرة التي ارتكبت في حقه صلوات الله وسلامه عليه ، من قبل الذين بيدهم أزمة الأمور بالفعل ، الأمر الذي يجعل الجميع يتوقعون منه السلبية المطلقة في تعامله مع هؤلاء الذين غصبوه حقه ، وصغروا عظيم منزلته على حد تعبيره . نعم . . إننا نجده « عليه السلام » يخالف كل التوقعات ، ويتجاوز جميع التصورات ، فهو يهتم بإقامة علاقات مع نفس هؤلاء الغاصبين ، تكاد تكون طبيعية ، ويشارك في كثير من الأمور بمستوى معين ، ويقدم لهم النصح ، ويعطي رأي الإسلام الأصيل في كل كبيرة وصغيرة ، كلما أمكنته الفرصة ، ووجد إلى ذلك سبيلاً ، ولا يألوا جهداً في تقديم العون لهم في كل ما فيه نصرة للدين ، وخير ومصلحة المسلمين . . ولعلهم كانوا غير راغبين كثيراً بالاستجابة لمبادراته هذه . . ثم هو يعطي الضابطة لمسلكيته هذه ، حين يقول : « . . فوالله ، لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ، ولم يكن فيها جور إلاّ علي خاصة ، التماساً لأجر ذلك وفضله ، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه » [1] . ولكن هذه المعونة وتلك المشاركة . . قد رافقها الحفاظ على أصالة خطه الرسالي ، ومواصلة اظهار المظلومية ، والشكوى من انحرافهم عن الجادة ، ومخالفتهم للنبيّ الأكرم « صلى الله عليه وآله » . .
[1] نهج البلاغة بشرح عبده ج 1 ص 120 و 121 ، الخطبة رقم 71 .