يربي نفسه على الزهد الواقعي ، ويفرغ قلبه عن التفكير بالدنيا بصورة حقيقية ، ولا يريد أن يدخل في صراع مع نفسه ، ولو مرة واحدة ، بل هو يريد أن يجعلها تطمئن ، لينصرف بكل عقله وفكره ، وجوارحه ، وباستمرار إلى الله سبحانه ، لا يشغله شيء عنه سبحانه . فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته ، حتى يحضر عطاءه من قابل . فقيل له : أنت في زهدك ! تصنع هذا ! ! وأنت لا تدري لعلك تموت اليوم ، أو غداً ؟ ! . . فقال : ما لكم لا ترجون لي البقاء ، كما خفتم عليّ الفناء ؟ ! أما علمتم : - يا جهلة - أن النفس قد تلتاث على صاحبها ، إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه ؛ فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت [1] . فهذا النص يؤكد لنا : 1 - أن سلمان لا يريد ولو لمرة واحدة : أن ينشغل بنفسه وينصرف عن الله سبحانه . 2 - إنه يتعامل مع طموحات نفسه وميولها ، من موقع العارف والواعي ، الذي يفكر بعمق بالداء وبالدواء على حد سواء ، ويكون علاجه للحالة التي يعاني منها أساسياً وواقعياً . . 3 - يلاحظ : أن المعترضين - يشهدون له بالزهد والعزوف عن الدنيا ، ولكنهم لم يعرفوا سر تعامله ذاك ، فوقعوا بالحيرة .