فلعل القضية قد حرفت لصالح الخليفة ، وخدمة له ، ولعل الخليفة نفسه قد وقف هذين الموقفين المختلفين سياسةً منه وحنكة ، وكانت سياسة بارعة وذكية ، وما ذلك في الحياة السياسية للخليفة بعزيز ، ولا نادر . الوقفة الثالث : أنا سلمان ابن الإسلام : كثير من الحيوان يولد مستكملاً لخصائصه ، التي تحقق هويته وحقيقته وذاته ؛ فيمارس دوره في حدود ما اهآل له بمجرد خروجه إلى عامل الدنيا . أما الإنسان ، فيولد فاقداً لكل مقومات شخصيته كانسان يمتلك فعلاً خصائصه الإنسانية ، وملكاته ، وقواه ، وغرائزه . . سوى هذا الاستعداد الفطري ، الموجود فيه ، الذي قد يُلَبّىُ نداءُ حاجته ، كاملاً أو منقوصاً ، وقد لا يلبّىُ ذلك النداءُ أصلاً ، فيبقى فاقداً وفقيراً ، ولا يصل إلى شيء ، ومن ثم فهو لا يرتقي إلى درجة الإنسانية أصلاً . . فهو يولد فاقد القوة ؛ والعقل ، والإرادة ، كما أنه لا يملك التمييز بين الأشياء ، حتى المحسوسة منها ، ويفقد العلم ، والمعرفة ، ويفقد خصال الخير وسواها ، كالشجاعة ، والكرم ، والحبّ ، والبغض ، والحسد والرياء ، والطموح و . . إلخ . . ويفقد غريزة الجنس ، وغيرها ، وهو عاجز حتى عن الكلام بل هو في عجز شامل ، عن أي شيء وفي حاجة حقيقية لكلّ شيء ، لا يستطيع دفع أي مكروه عن نفسه ، ولا جلب أي منفعة لها على الاطلاق . ثم هو يبدأ بالحصول على كل ذلك وسواه تدريجاً ، وبمساعدةٍ خارجة عن ذاته وحقيقته ، وقد يتعرض في فترات نموّه وتكامله لعوامل ، أو لنكسات تعيق حصوله على هذا الأمر أو ذاك . أو يكون ذلك الحصول تاماً ،