نام کتاب : سبل الهدى والرشاد نویسنده : الصالحي الشامي جلد : 1 صفحه : 190
أهداها للكعبة ، وقيل سابور . وكانت الأوائل من ملوك الفرس تحجها إلى ساسان أو سابور . الثانية : قال السهيلي أيضا : دل عبد المطلب على زمزم بعلامات ثلاث : بنقرة الغراب الأعصم ، وأنها بين الفرث والدم ، وعند قرية النمل ، ولم يخص هذه العلامات الثلاث إلا بحكمة إلهية وفائدة مشاكلة لطيفة في علم التعبير والتوسم الصادق لمعنى زمزم ومائها . أما الفرث والدم : فإن ماءها طعام طعم وشفاء سقم . وهي لما شربت له ، وقد تقوت من مائها أبو ذر - رضي الله تعالى عنه - ثلاثين ما بين ليلة ويوم فسمن حتى تكسرت عكن بطنه ، فهي إذا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللبن : " إذا شرب أحدكم اللبن فليقل : اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإنه ليس شئ يسد مسد الطعام والشراب إلا اللبن " وقد قال الله تعالى : " ( من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ) فظهرت هذه السقيا المباركة بين الفرث والدم ، وكانت تلك من دلائلها المشاكلة لمعناها . وأما الغراب : فهو في التأويل فاسق ، وهو أسود ، فذلت تقرته عند الكعبة على نقرة الأسود الحبشي بمعوله في أساس الكعبة بهدمها آخر الزمان ، فكأن نقرة الغراب في ذلك المكان تؤذن بما يفعله الفاسق في آخر الزمان بقبلة الرحمن وسقيا أهل الإيمان ، وذلك عندما يرفع القرآن . وتحيا عبادة الأوثان . وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليخربن الكعبة ذو السويقتين من الحبشة " [1] وفيه أيضا من صفته أنه أفحج ، وهذا ينظر إلى كون الغراب أعصم ، إذ الفحج : تباعد في الرجلين ، كما أن العصم اختلاف فيهما ، والاختلاف تباعد ، وقد عرف بذي السويقتين ، كما نعت الغراب بصفة في ساقيه . فتأمله . وهذا من خفي علم التعبير ، لأنها كانت رؤيا . وأما قرية النمل ففيها من المشاكلة أيضا والمناسبة : أن زمزم عين مكة التي يردها الحجيج والعمار من كل جانب ، فيحملون لها البر والشعير وغير ذلك ، وهي لا تزرع ولا تحرث ، كما قال سبحانه وتعالى خبرا عن إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع ) الآية . وقرية النمل كذلك ، لأن النمل لا تحرث ولا تزرع وتجلب الحبوب إلى قريتها من كل جانب ، ومكة كذلك ، كما قال تعالى : ( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان ) مع أن لفظ قرية النمل مأخوذ من قريت الماء في الحوض إذا جمعته ، والرؤيا تعبر على اللفظ تارة وعلى المعنى أخرى ، فقد اجتمع اللفظ والمعنى في هذا التأويل . والله تعالى أعلم .