نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 75
كانت ثقة ابن أبي طالب بالضمير الإنساني ثقة العظماء الذين تآلف فيهم العقل النير والقلب الزاخر بالدف ء الإنساني ، النابض بالحب العميق الذي لا يعرف حدودا . كانت ثقته بهذا الضمير ثقة بوذا وبتهوفن وروسو وغاندي وسائر العظماء الذين مدهم القلب بنور يخبو لديه كل نور . وعلى أساس هذه الثقة أرسى ابن أبي طالب حكمه وأمثاله ، وعلى أساسها تترابط الأفكار والتوجيهات التي يخاطب بها وجدانات الناس . وإذا كان للإمام علي مثل هذه الثقة بنواحي الخير في الناس ، على ما مني به على أيديهم من نكبات وفواجع ، فإنه يأبى إلا أن يلقي بذور هذه الثقة في قلوبهم جميعا . فهو يعرف ( أن في أيدي الناس حقا وباطلا وكذبا وصدقا ) ولكن الأولى بالمرء أن يفتح عينيه وقلبه على نواحي الخير هذه ، فلعلها هي التي تنمو دون نواحي الشر . ولعل التعليم بالمثل والسيرة يكون أجل وأجدى . وقد طالما كرر علي وصاياه بضرورة هذه الثقة بالضمير الإنساني ، وفي جملة ما يقوله : ( من ظن بك خيرا فصدق ظنه ) . ويقول في مكان آخر : ( لا تظنن بكلمة خرجت من أحد سوءا وأنت تجد لها في الخير محتملا ) و ( ليس من العدل القضاء بالظن على الثقة و ( وإذا استولى الصلاح على الزمان وأهله ثم أساء رجل الظن برجل لم تظهر منه خزية ، فقد ظلم ) و ( وأسوأ الناس حالا من لم يثق بأحد لسوء ظنه ، ولم يثق به أحد لسوء فعله ! . وقد أخطأ دارسو الإمام علي ساعة رأوا أنه متشائم بالناس شديد التشاؤم ، متبرم بهم كثير التبرم . وساعة احتجوا لرأيهم هذا بأقوال له يهاجم بها أبناء زمانه بشدة وعنف . أما رأينا نحن فعلى العكس من ذلك تماما . رأينا أن عليا لم ينقض ثقته بالانسان ساعة واحدة وإن نقضها ببعض الناس في بعض الظروف . فمن عرف طاقة ابن أبي طالب على احتمال المكاره تأتيه من الناس ، وجلده العجيب في مقاساة الأهوال الناجمة عن الغدر والخيانة والفجور في الكثير من خصومه وأنصاره ، ثم ما كان من أموره معهم جميعا إذ يأخذهم بالرفق والعطف ما أمكنه أن يرفق وأن يعطف ، أقول : من عرف ذلك أدرك أن عليا عظيم التفاؤل بحقيقة الإنسان ، وبفطرته التي أضلها المجتمع في بعض أحواله ، لا يختلف في ذلك عن أخيه العظيم روسو .
75
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 75