نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 71
بمحصور في مثل هذا النطاق . فالخير إذن أعظم ! ثم إن الخير يحتوي السعادة ولا تحتويه ، فهو أشمل ! أضف إلى ذلك أن بعض الناس قد يسعدون بما لا يشرف الإنسان ، وأنهم قد يسعدون بما يؤذي الآخرين ، وأنهم قد يتفهون ويترهلون وهم يحسبون أنهم بذلك سعداء . أما الخير فهو غير السعادة إذ يكون معدنها هذا المعدن . فهو السعادة منوطة بسعادة الناس جميعا . وهو الرضى عن أحوال الجسد والعقل والضمير ! لذلك أكثر علي من استخدام هذا اللفظ في دعوته الحارة إلى كل ما يرفع من شأن الإنسان ! ولم أعثر في آثار ابن أبي طالب على لفظة ( السعادة ) إلا مرة واحدة . ولكنه لا يخرج بمعناها الذي يقصد عن مفهوم الخير بما يحملها من حدوده ومعانيه . إما العبارة التي وردت فيها لفظة ( السعادة ) فهي هذه : ( من سعادة الرجل أن تكون زوجته صالحة وأولاده أبرارا وإخوانه شرفاء وجيرانه صالحين ورزقه في بلده ) . فانظر كيف ربط سعادة المرء بسعادة المحيطين به من أفراد عائلته ثم بسعادة إخوانه وجيرانه جميعا . بعد ذلك ناط سعادة هذا الرجل بسعادة بلاده مستندا إلى أنها بلاد تنتج الرزق لجميع أبنائها وهو واحد منهم ! تاسعا ، إن خير الوجود وخير الإنسان يستلزمان ، بالضرورة ، الثقة بالضمير الإنساني ثقة تجعله حكما أخيرا في ما يضر وينفع . ولنا في هذا الموضوع رأي نفصله نقول : من روائع ابن أبي طالب ما يخاطب به العقل وحده . ومنها ما يخاطب الضمير . وأكثرها مما يتوجه به إلى العقل والضمير مجتمعين . أما تلك التي يخاطب بها العقل ، فقل إنها الغاية في الأصالة وإنها نتيجة محتومة لنشاط العقل الذي لاحظ ودقق وتمرس بخير الزمان وشره ، وعرف من التجارب كل ما يكشف له عن الحقائق ويجليها ، فإذا هي مصوغة على قواعد هندسية ذات حدود وأبعاد لشدة ما ترتبط بالحقائق ، ومظهرة في أروع إطار فني لشدة ما ترتبط بالجمالية التعبيرية ، مما يجعلها ، من حيث المادة والشكل ، في أصول الأدب الكلاسيكي العربي . وفي هذا النوع من الحكم الموجهة إلى العقل ، نرى عليا يصور تاركا للناس أن يحكموا بما يرون . فيأخذوا إذا شاؤوا أو يتركوا . لذلك لا نرى في هذا النوع من الحكم صيغ الطلب . إنما نرى حكما صيغت بقالب خبري خالص جرد من صور الأمر والنهي جميعا ،
71
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 71