responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق    جلد : 1  صفحه : 62


البشر دونما نظر في نواميس الوجود الكبرى ، وهم يحسبون أنها قواعد تهذيبية لمجرد اتفاقهم عليها . وبذلك أيضا ينتفي من التهذيب السليم كل ما يخالف روح الحق وروح الخير وروح الجمال . والتهذيب على غير أصوله الكبرى تواطؤ سطحي على الكذب القبيح . وهو على أصوله البعيدة إحساس عميق بالصدق الجميل ، مما يجعله اندماجا خالصا بثورية الحياة الجارية الفاتحة .
لذلك كان مدار التهذيب عند ابن أبي طالب ، حماية الإنسان من الكذب ، أو قل حمايته وهو حي من برودة الموت !
وحماية الإنسان من الكذب تستوجب أول الأمر تعظيم الصدق نصا مباشرا في كل حال . وإبرازه ضرورة حياتية لا مفر منها لكل حي ، وتوجيه الناس نحوه أفرادا يخلون إلى أنفسهم أو يعيشون جماعات . وفي هذا الباب يبرز علي بن أبي طالب عملاقا يرى ما لا يراه الآخرون ، ويشير إلى ما يجهلون ، ويعمل ما لا يستطيعونه الآن ويريدهم أن يستطيعوه .
يقول علي : ( إياكم وتهزيع الأخلاق وتصريفها واجعلوا اللسان واحدا ) . وتهزيع الشئ تكسيره . وتصريفه قلبه من حال إلى حال . يريد بذلك تذكير الصادق بالخطر الذي يتعرض له صدقه إن هو كذب ولو مرة واحدة . فالصادق إذا كذب مرة انكسر صدقه كما ينكسر أي شئ وقع على الأرض مرة واحدة . وكذلك النفاق والتلون فهما لونان من ألوان الكذب . ويقول أيضا : ( وكونوا قوما صادقين . واعملوا في غير رياء . وأعز الصادق المحق وأذل الكاذب المبطل . واصدقوا الحديث وأدوا الأمانة وأوفوا بالعهد .
من طلب عزا بباطل أورثه الله ذلا بحق . إن كنت صادقا كافيناك وإن كنت كاذبا عاقبناك .
إن من عدم الصدق في منطقه فقد فجع بأكرم أخلاقه . ما السيف الصارم في كف الشجاع بأعز له من الصدق ) . وما هذه الآيات في الصدق إلا نماذج من مئات أخر يأت يؤلف ابن أبي طالب بها أساس دستوره الأخلاقي العظيم .
ثم إليك هذه الآية التي يكثر في نسجها نصيب العقل النافذ الواعي . يقول : ( الكذب يهدي إلى الفجور ) . ولسنا في حاجة إلى الإسهاب في إظهار ما تخفي هذه الكلمة من حقيقة تجر وراءها سلسلة لا تنتهي من الحقائق . كما أننا لسنا في حاجة إلى الإسهاب في تصوير ما تشير إليه من حقيقة نفسية لا تزيدها الأيام إلا رسوخا . ومثل هذه الآية آيات ، منها :
( لا يصلح الكذب في جد ولا هزل ولا أن يعد أحدكم صبيه ثم لا يفي له ! ) أما المعنى

62

نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق    جلد : 1  صفحه : 62
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست