responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق    جلد : 1  صفحه : 63


الذي يشير إليه الشق الأول من هذه الآية العلوية ، فقد كان موضوع جدل كثير بين فلاسفة الأخلاق ولا سيما الأوربيين منهم . والواقع أن هؤلاء أجمعوا على أن الصدق حياة والكذب موت . غير أنهم اختلفوا في هل يجوز الكذب في حالة الضرورة أم لا ؟
فمنهم الموافق ومنهم المخالف . ولكل من الفريقين حجته .
أما علي بن أبي طالب ، فيقف من هذا الموضوع الذي تثيره عبارته ، موقفا حاسما ينسجم مع مذهبه العظيم في الأخلاق ، هذا المذهب الذي نعود فنذكر القارئ بأنه منبثق عما أحسه علي ووعاه من عدالة الكون الشاملة ، فيقول غير متردد : ( علامة الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك ، وأن لا يكون في حديثك فضل عن عملك !
ومن الواضح أن ابن أبي طالب لا يرى أن في الكذب ما ينفع وأن في الصدق ما قد يضر ، فيتحدث إلى الناس في نطاق من مدى تصورهم ليبلغ كلامه منهم مبلغا ذكيا .
وتأكيدا لذلك يقول : ( عليك بالصدق في جميع أمورك ) . ويقول أيضا : ( جانبوا الكذب فإن الصادق على شفا منجاة وكرامة ، والكاذب على شفا مهواة وهلكة ! ) أما المعنى الذي يذكره الشق الثاني من العبارة : ( ولا أن يعد أحدكم صبيه ثم لا يفي له ) فالتفاتة عظيمة إلى حقيقة تربوية تقررها الحياة نفسها ، كما تقررها الأصول النفسية التي ينشأ عليها المرء ويتدرج . ويكفيك منها هذه الإشارة إلى أن الطفل يتربى بالمثل لا بالنصيحة .
وهذا الرأي هو محور فلسفة جان جاك روسو التربوية !
والصدق مع الحياة يستلزم البساطة وينفر من التعقيد ، لأن كل حقيقة بسيطة بمقدار ما الشمس ساطعة والليل بهيم . ودلالة على هذه البساطة الدافئة لأنها انبثاق حي وعفوي عن الصدق ، نقول إن ابن أبي طالب كره التكبر لأنه ليس طبعا صادقا بل الكبر هو الصدق ، فإذا بالمتكبر في رأيه شخص يتعالى على جبلته ذاتها . يقول : ( لا تكونوا كالمتكبر على ابن أمه ) . وهو في الوقت نفسه يكره التواضع إذا كان مقصودا فإنه عند ذاك لا يكون طبعا صادقا بل الشعور بأن الإنسان مساو لكل إنسان في كرامته هو الصدق . لذلك يخاطب من يقوده تواضعه إلى أن يذل نفسه ، قائلا له : ( إياك أن تتذلل للناس ) . ثم يردف ذلك بقول أروع : ( ولا تصحبن في سفر من لا يرى لك من الفضل عليه مثل ما ترى له من الفضل عليك ! )

63

نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق    جلد : 1  صفحه : 63
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست