نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 57
ينعم بحنان الإنسان ، فإن الطبيعة التي تحمل بذاتها القيم والمقاييس لا بد لها من التعويض على صالح ضيعه الجيران والأقربون والأهل فما لفوه برداء من حنان ، بعطف وحنان كثيرين يأتيانه من الأباعد . فيقول علي : ( من ضيعه الأقرب أتيح له الأبعد ) وهو في سبيل رعاية هذه الأخوة القائمة بالحنان الإنساني ، لا يقبل حتى بالهنات الهينات لأن فيها انحرافا مبدئيا عن كرم الحنان : ( أما بعد فلولا هنات كن فيك لكنت المقدم في هذا الأمر ) . وإذا كانت القوانين المتعارف عليها تسمح لابن أبي طالب بأن يحارب المتآمرين به ، فإنه لا يفعل إلا بعد أن يراعي كل جوانب الحنان في نفسه وقلبه ، وبعد أن يستشير كل روابط الإخاء البشري في نفوس مقاتليه وقلوبهم . وهو إن فعل في خاتمة الأمر فإنما يفعل مكرها لا مختارا حزينا باكيا لا فرحا ضاحكا ، فإذا شعوره بالنصر بعد القتال آلم وأوجع من شعور مناوئيه بالهزيمة ! وإذا كانت القوانين المتعارف عليها تسمح لابن أبي طالب بأن يترك المعتدين عليه ، بعد موته ، بين يدي أنصاره وبنيه يقاتلونهم ويقتصون منهم لضلال مشوا به وإليه ، فإن الرأفة بالانسان وهي لديه وراء كل قانون ، تحمله حملا على أن يخاطب أنصاره وبنيه بهذا القول العظيم : ( لا تقاتلوا الخوارج من بعدي ، فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه ) . وهو بعامل هذا الحنان العميق يربط سعادة المرء بسعادة جاره . أي بسعادة الإنسانية كلها ، لأن لجار المرء جيرانا ، وما يجوز عليه بالنسبة له يجوز عليهم بالنسبة لسائر الناس . ومن سعادته أيضا أن يطغى عليه هذا الحنان فإذا بأبناء الآخرين يحظون منه بالعطف الذي يحظى به أبناؤه : ( أدب اليتيم بما تؤدب به ولدك ) . وأن يستشعر الجميع روح العدالة الأساسية التي تفوق القوانين الوضعية قيمة وجمالا لأنها تحمل الدف ء الإنساني وتصل الخلق بمنطق القلب لا بمنطق الخضوع لقانون : ( ليتأس صغيركم بكبيركم ، وليرأف كبيركم بصغيركم ) . وإذا كان العجز عن إتيان المكرمات نقصا ، فإن منطق الحنان على لسان علي يجعل العاجز
57
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 57