responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق    جلد : 1  صفحه : 56


فمن الطبيعي في مثل هذه الحال أن يلح علي في طلب كل ما يتعلق بالانسان مما يطاله زمانه وإمكانات عصره . ومن الطبيعي كذلك أن يلح في الكشف عما في هذا ( الجرم الذي انطوى فيه العالم الأكبر ( من مظاهر العدالة الكونية وتكافؤ الوجود ضمن الإطار الذي دارت آراؤه فيه .
أحس علي إحساسا مباشرا عميقا أن بين الكائنات روابط لا تزول إلا بزوال هذه الكائنات . وأن كل ما ينقص هذه الروابط ينقص من معنى الوجود ذاته . وإذا كان الإنسان أحد هذه الكائنات ، فإنه مرتبط بها ارتباط وجود . وإذا كان ذلك - وهو كائن - فإن ارتباط الكائن بشبيهه أجدر وأولى . أما إذا كان هذا الكائن من الأحياء ، فإن ما يشده إلى الأحياء من جنسه أثبت وأقوى . وأما الإنسان - رأس الكائنات الحية - فإن ارتباطه بأخيه الإنسان هو الضرورة الأولى لوجوده فردا وجماعة .
وحين يقرر علي أن المجتمع الصالح هو المجتمع الذي تسوده العدالة الاجتماعية بأوسع معانيها وأشرف أشكالها . إنما يسن قانونا أو ما هو من باب القانون . ولكن هذا القانون لا ينجلي في ذهنه ولا يصبح ضرورة . إلا لأنه انبثاق طبيعي عما أسميناه روح العدالة الكونية الشاملة . التي تفرض وجود هذا القانون . لذلك نرى ابن أبي طالب ملحا شديد الإلحاح على النظر في ما وراء القوانين ، وعلى رعايتها بما هو أسمى منها : بالحنان الإنساني .
وما يكون الحنان إلا هذا النزوع الروحي والمادي العميق إلى الاكتمال والسمو . فهو بذلك ضرورة خلقية لأنه ضرورة وجودية .
الصفحة الأولى التي ينشرها علي من صفحات الحنان تبدأ بأن يذكر الناس بأنهم جميعا إخوة فينعتهم ب‌ ( إخواني ) نعتا صريحا وهو أمير عليهم . ثم يردف ذلك بتذكير الولاة بأنهم أخوان الناس جميع الناس ، وبأن هذا الإخاء يستلزم العطف بالضرورة ، قائلا إلى أمرائه على الجيوش : ( فإن حقا على الوالي أن لا يغيره فضل ناله ، ولا طول خص به ، وأن يزيده ما قسم الله له من نعمه دنوا من عباده وعطفا على إخوانه ) . وما يذكره لنفسه وللولاة بأنهم والناس إخوان بالمودة والحنان ، يعود فيقرره بحكمة شاملة يتجه بها إلى البشر جميعا دون تفرقة أو تمييز ، قائلا : وإنما أنتم إخوان ما فرق بينكم إلا خبث السرائر وسوء الضمائر ) . وهو بذلك يضع خبث السريرة وسوء الضمير في طرف ، وحنان القلب ومودة النفس في طرف آخر . ولما كان من الحق الوجودي للإنسان أن

56

نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق    جلد : 1  صفحه : 56
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست