نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 47
( فوالله لو لم يصيبوا من الناس إلا رجلا واحدا معتمدين ( 1 ) لقتله ، بلا جرم جره لحل لي قتل ذلك الجيش كله ) . والواضح هنا أن الموضوع ليس ( قتل الجيش كله ) بل تمكين فكرة احترام الحياة في أذهان أصحاب السلطة ، ولفت أنظارهم إلى أن قتل نفس واحدة ، قصدا واعتمادا ، إنما يساوي قتل الخلق جميعا . ولو أننا قسنا نظرة علي بن أبي طالب في هذا المجال بنظرات كثير من المفكرين الذين رأوا أن موازين العدالة لا تتحرك إلا بالقوة والكثرة ، لبدا لنا كيف ينحدرون حيث يسمو ، وكيف يتزمتون ويغلظون حيث يرحب أفقه وتعلو على يديه قيم الحياة ، ففيما يطبل بعض هؤلاء ويزمرون لما ( اكتشفوه ) من آراء ونظريات تبيح للقوي أن يعتز بقوته وحسب ، وللكثير أن تتسع آماله بهذه الكثرة وحدها - وفي كل ذلك اعتداء على قانون الحياة العادل ، وعلى إرادة الإنسان القادرة المطورة الخيرة - نرى ابن أبي طالب يكشف عما هو أسمى بمقياس الحياة نفسها لأنه حقيقة ، وبمقياس الإرادة الإنسانية لأنه خير ، فيقول ببساطة العظيم : ( ورب يسير أغنى من كثير ) ثم يوضح بقول أجل وأجمل ، ( وليس امرؤ ، وإن عظمت في الحق منزلته ، بفوق أن يعان على ما حمله الله من حقه ( 2 ) ولا أمرؤ ، وإن صغرته النفوس واقتحمته العيون ( 3 ) بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه ! ) وفي هذين القولين ينقل ابن أبي طالب للناس مظهرا من مظاهر العدالة الكونية البادية حيث أمعنت النظر ، ويقرر حقيقة طالما خفيت عن العقول التي تحصر نفسها في أضيق نطاق . يقرر علي أن المظاهر البراقة الفضفاضة ليست في حكم الواقع الوجودي إلا غثا من الوجود تافها لا قيمة له ولا شأن ، وقد يبهر بها العاديون من الخلق وأهل الحماقات والأغنياء
1 - معتمدين : قاصدين . 2 - بفوق أن يعان : أي بأعلى من أن يحتاج إلى الإعانة . 3 - اقتحمته العيون : حقرته . بدون أن يعين : بأعجز من أن يساعد غيره .
47
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 47