responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق    جلد : 1  صفحه : 46


الملاحظة الدقيقة الضابطة علي بن أبي طالب بقوله : ( ولكل ذي رمق قوت ، ولكل حبة آكل ) .
أما إذا حيل بين ذي الرمق وقوته ، والحبة وآكلها ، فإن في هذا المنع اعتداء على موازين العدالة الكونية وافتراء على قيمة الحياة ومعنى الوجود . يقول علي : ( والله لو أعطيت الأقاليم السبعة على أن أعصي الله في نملة أسلبها لب شعيرة ، ما فعلت ! ) أما الاعتداء على موازين العدالة الكونية ، فإن العقاب عليه قائم بطبيعة هذه العدالة العامة نفسها التي تقاضي الفاعل مقاضاة لا لين فيها ولا قسوة ، وإنما عدل ومجازاة .
ومن ثم كانت النظرة العلوية الجليلة إلى معنى الحياة الواحدة بكثيرها وقليلها ، بكبيرها وصغيرها . فالعدالة الكونية التي وازنت بين الأحياء ورعتهم في مختلف حالاتهم وأقامت بينهم أعمالا مشتركة وحقوقا متبادلة وواجبات متعادلة ، لم تفرق بين مظهر من مظاهر الحياة وآخر ، ولم تأمر بأن يعتد قوي على ضعيف لما خص به القوي من أداة العتو ، ولم تأذن للكثير بأن يغبن القليل حقه بما خص به من صفات الكثرة . وهي من ثم لا تغتفر ظلم القليل بحجة مصلحة الكثير . فالذي يغبن كائنا حيا في نهج ابن أبي طالب فكأنما غبن الكائنات الحية جميعا . ومن قتل نفسا بغير حق فكأنما قبل النفوس جملة . ومن آذى ذا رمق فكأنما آذى كل ذي رمق على وجه الأرض . فالحياة هي الحياة في نهجه واحترامها هو الأصل وعليه تنمو الفروع .
ففي نظريات عدد كبير من المفكرين والمشترعين ، وفي ( آراء ) معظم هؤلاء الذين يسمون أنفسهم رجال سياسة ، يجوز الاعتداء على العدد القليل من الناس في سبيل العدد الكثير .
وفي حساب هؤلاء ، لا يقاس الخير إلا بسلامة العدد الكثير ، ثم في بلوغه ما يصبو إليه من حال . فإذا قتل بحادث اعتداء ألف من الخلق ، فالأمر فظيع ، وإذا قتل ألفان فالأمر أفظع . وهكذا دواليك . أما إذا قتل إنسان واحد ، بمثل هذا الحادث ، فالقضية هينة والأمر بسيط . فإن دفاتر تجار الأرواح عند ذاك لا يسقط منها الكثير . أما جداول الضرب وعمليات الجمع والقسمة ، فن الميسور تعديلها بعملية حساب بسيطة .
أما ابن أبي طالب فيسحق نظريات هؤلاء التجار ، بقول يتناوله مباشرة من روح الوجود الذي لا قيمة لديه للأرقام في معنى الحياة ، بل للحياة نفسها :

46

نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق    جلد : 1  صفحه : 46
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست