نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 33
كخطب ابن أبي طالب تجمع روعة هذه الصفات في اللفظ إلى روعة المعنى وقوته وجلاله . وإليك شيئا مما قلناه في الجزء الثالث من كتابنا ( الإمام علي صوت العدالة الإنسانية ) بصدد بيان الإمام ، لا سيما ما كان منه في خطبه : نهج للبلاغة آخذ من الفكر والخيال والعاطفة آيات تتصل بالذوق الفني الرفيع ما بقي الإنسان وما بقي له خيال وعاطفة وفكر ، مترابط بآياته متساوق متفجر بالحس المشبوب والإدراك البعيد ، متدفق بلوعة الواقع وحرارة الحقيقة والشوق إلى معرفة ما وراء هذا الواقع ، متآلف يجمع بين جمال الموضوع وجمال الإخراج حتى ليندمج التعبير بالمدلول أو الشكل بالمعنى ، اندماج الحرارة بالنار والضوء بالشمس والهواء بالهواء ، فما أنت إزاءه إلا ما يكون المرء قبالة السيل إذ ينحدر والبحر إذ يتموج والريح إذ تطوف . أو قبالة الحدث الطبيعي الذي لا بد له أن يكون بالضرورة على ما هو كائن عليه من الوحدة لا تفرق بين عناصرها إلا لتمحو وجودها وتجعلها إلى غير كون ! بيان لو نطق بالتقريع لانقض على لسان العاصفة انقضاضا ولو هدد الفساد والمفسدين لتفجر براكين لها أضواء وأصوات ! ولو انبسط في منطق لخاطب العقول والمشاعر فأقفل كل باب على كل حجة غير ما ينبسط فيه ! ولو دعا إلى تأمل لرافق فيك منشأ الحس وأصل التفكير ، فساقك إلى ما يريده سوقا ، ووصلك بالكون وصلا ، ووحد فيك القوى للاكتشاف توحيدا . وهو لو راعاك لأدركت حنان الأب ومنطق الأبوة وصدق الوفاء الإنساني وحرارة المحبة التي تبدأ ولا تنتهي ! أما إذا تحدث إليك عن بهاء الوجود وجمالات الخلق وكمالات الكون ، فإنما يكتب على قلبك بمداد من نجوم السماء ! بيان هو بلاغة من البلاغة وتنزيل من التنزيل . بيان اتصل بأسباب البيان العربي ما كان منه وما يكون ، حتى قال أحدهم في صاحبه أن كلامه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق !
33
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 33