نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 34
وخطب علي جميعا تنضح بدلائل الشخصية حتى لكأن معانيها وتعابيرها هي خوالج نفسه بالذات وأحداث زمانه التي تشتعل في قلبه كما تشتعل النار في موقدها تحت نفخ الشمال . فإذا هو يرتجل الخطبة حسا دافقا وشعورا زاخرا وإخراجا بالغا غاية الجمال . وكذلك كانت كلمات علي بن أبي طالب المرتجلة . فهي أقوى ما يمكن للكلمة المرتجلة أن تكون من حيث الصدق وعمق الفكرة وفنية التعبير حتى أنها ما نطقت بها شفتاه ذهبت مثلا سائرا . فمن روائعه المرتجلة قوله لرجل أفرط في مدحه بلسانه وأفرط في اتهامه بنفسه : أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك ) . ومن ذلك أنه لما اعتزم أن يقوم وحده لمهمة جليلة تردد فيها أنصاره وتخاذلوا ) جاءه هؤلاء وقالوا له وهم يشيرون إلى أعدائه : يا أمير المؤمنين نحن نكفيكهم . فقال من فوره : ( ما تكفونني أنفسكم فكيف تكفونني غيركم ؟ إن كانت الرعايا قبلي لتشكو حيف رعاتها ، فإنني اليوم لأشكو حيف رعيتي كأنني المقود وهم القادة ) . ولما قتل أصحاب معاوية محمدا بن أبي بكر فبلغه خبر مقتله قال : ( إن حزننا عليه قدر سرورهم به ، ألا إنهم نقصوا بغيضا ونقصنا حبيبا ) . وسئل : أيهما أفضل : العدل أم الجود ؟ فقال : ( العدل يضع الأمور مواضعها ، والجود يخرجها من جهتها ، والعدل سائس عام ، والجود عارض خاص ، فالعدل أشرفهما وأفضلهما ) . وقال في صفة المؤمن ، . مرتجلا : ( المؤمن بشره في وجهه ، وحزنه في قلبه ، أوسع شئ صدرا وأذل شئ نفسا . يكره الرفعة ويشنأ السمعة ، طويل غمه ، بعيد همه ، كثير صمته ، مشغول وقته . شكور صبور ، ، سهل الخليقة ، لين العريكة . وسأله جاهل متعنت عن معضلة ، فأجابه على الفور : ( اسأل تفقها ولا تسأل تعنتا فإن الجاهل المتعلم شبيه بالعالم ، وإن العالم المتعسف شبيه بالجاهل المتعنت ! )
34
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 34