responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق    جلد : 1  صفحه : 32


من العلم انفرد بها عن أقرانه ، وبحجة قائمة ، وقوة إقناع دامغة ، وعبقرية في الارتجال نادرة . أضف إلى ذلك صدقه الذي لا حدود له وهو ضرورة في كل خطبة ناجحة ، وتجاربه الكثيرة المرة التي كشفت لعقله الجبار عن طبائع الناس وأخلاقهم وصفات المجتمع ومحركاته . ثم تلك العقيدة الصلبة التي تصعب مداراتها وذلك الألم العميق الممزوج بالحنان العميق ، وبطهارة القلب وسلامة الوجدان وشرف الغاية .
وإنه من الصعب أن تجد في شخصيات التاريخ من اجتمعت لديه كل هذه الشروط التي تجعل من صاحبها خطيبا فذا غير علي بن أبي طالب ونفر من الخلق قليل ، وما عليك إلا استعراض هذه الشروط ، ثم استعراض مشاهير الخطباء في العالمين الشرقي والغربي ، لكي تدرك أن قولنا هذا صحيح لا غلو فيه .
وابن أبي طالب على المنبر رابط الجاش شديد الثقة بنفسه وبعدل القول . ثم إنه قوي الفراسة سريع الإدراك يقف على دخائل الناس وأهواء النفوس وأعماق القلوب ، زاخر جنانه بعواطف الحرية والإنسانية والفضيلة ، حتى إذا انطلق لسانه الساحر بما يجيش به قلبه أدرك القوم بما يحرك فيهم الفضائل الراقدة والعواطف الخامدة .
أما إنشاؤه الخطابي فلا يجوز وصفه إلا بأنه أساس في البلاغة العربية . يقول أبو الهلال العسكري صاحب ( الصناعتين ) : ليس الشأن في إيراد المعاني - وحدها - وإنما هو في جودة اللفظ ، أيضا وصفائه وحسنه وبهائه ونزاهته ونقائه وكثرة طلاوته ومائه مع صحة السبك والتركيب والخلو من أود النظم والتأليف .
من الألفاظ ما هو فخم كأنه يجر ذيول الأرجوان أنفة وتيها . ومنها ما هو ذو قعقعة كالجنود الزاحفة في الصفيح . ومنها ما هو كالسيف ذي الحدين . ومنها ما هو كالنقاب الصفيق يلقى على بعض العواطف ليستر من حدتها ويخفف من شدتها . ومنها ما له ابتسامة السماء في ليالي الشتاء ! من الكلام ما يفعل كالمقرعة ، ومنه ما يجري كالنبع الصافي .
كل ذلك ينطبق على خطب علي في مفرداتها وتعابيرها . هذا بالإضافة إلى أن الخطبة تحسن إذا انطبعت بهذه الصفات اللفظية على رأي صاحب الصناعتين ، فكيف بها إذا كانت ،

32

نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق    جلد : 1  صفحه : 32
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست