نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 31
وفي الفقرة الثانية من الخطبة توجه الإمام إلى مكان الحمية من السامعين إلى مثار العزيمة والنخوة من نفس كل عربي ، وهو شرف المرأة . وعلي يعلم أن من العرب من لا يبذل نفسه إلا للحفاظ على سمعة امرأة وعلى شرف فتاة ، فإذا هو يعنف هؤلاء القوم على القعود دون نصرة المرأة التي استباح الغزاة حماها ثم انصرفوا آمنين ، ما نالت رجلا منهم طعنة ولا أريق لهم دم . ثم إنه أبدى ما في نفسه من دهش وحيرة من أمر غريب : ( فإن أعداءه يتمسكون بالباطل فيناصرونه ، ويدينون بالشر فيغزون الأنبار في سبيله ، فيما يقعد أنصاره حتى عن مناصرة الحق فيخذلونه ويفشلون عنه . ومن الطبيعي أن يغضب الإمام في مثل هذا الموقف ، فإذا بعبارته تحمل كل ما في نفسه من هذا الغضب فتأتي حارة شديدة مسجعة مقطعة ناقمة : فقبحا لكم حين صرتم غرضا يرمى : يغار عليكم ولا تغيرون ، وتغزون ولا تغزون . ويعصى الله وترضون ! ) وقد تثور عاطفته وتتقطع فإذا بعضها يزحم بعضا على مثل هذه الكلمات المتقطعة المتلاحقة : ( ما ضعفت ، ولا جبنت ، ولا خنت ، ولا وهنت ! ) وقد تصطلي هذه العاطفة بألم ثائر يأتيه من قوم أراد لهم الخير وما أرادوه لأنفسهم لغفلة في مداركهم ووهن في عزائمهم فيخطبهم بهذا القول الثائر الغاضب قائلا : ( ما لي أراكم أيقاظا نوما ، وشهودا غيبا ، وسامعة صماء ، وناطقة بكماء الخ ) والخطباء العرب كثيرون ، والخطابة من الأشكال الأدبية التي عرفوها في الجاهلية والإسلام ولا سيما في عصر النبي والخلفاء الراشدين لما كان لهم بها من حاجة . أما خطيب العهد النبوي الأكبر فالنبي لا خلاف في ذلك . أما في العهد الراشدي وفي ما تلاه من العصور العربية قاطبة ، فإن أحدا لم يبلغ ما بلغ إليه علي بن أبي طالب في هذا النحو . فالنطق السهل لدى علي كان من عناصر شخصيته وكذلك البيان القوي بما فيه من عناصر الطبع والصناعة جميعا . ثم إن الله يسر له العدة الكاملة لما تقتضيه الخطابة من مقومات أخرى على ما مر بنا . فقد ميزه الله بالفطرة السليمة ، والذوق الرفيع ، والبلاغة الآسرة ، ثم بذخيرة .
31
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 31