نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 24
كأن مكاكي الجواء غدية * نشاوى سلاف من رحيق مفلفل كأن السباع فيه غرقى عشية * بأرجائه القصوى ، أنا بيش عنصل فأنت ترى إلى امرئ القيس كيف يلحظ أن المطر قد أسقط نخل تيماء كله ، وجرف أبنيتها فلم يبق منها إلا المشيد بالجنادل والصخور . أما جبل ( ثبير ) المعتز بشموخه على ما ما حوله من الأرض الواطئة ، فقد غطاه المطر إلا رأسه ، فبدا كشيخ قوم ملتف بكساء مخطط . وتتابع الأمطار طوفانها حول الجبال ثم تلقي أثقالها جميعا في الصحارى التي ظلت زمنا قاحلة لا نبت فيها ولا رواء ، فإذا بها تنبت عشبا وزهرا ملونا يشبه الثياب الملونة الحسناء التي ينشرها التاجر اليماني إمام أعين الناس . وقد أحسن المطر إلى هذه الصحارى المجدبة فإذا هي رياض زاهية تغني بها الطير طربة سكرى . أما الوحوش الضارية التي كانت تستبيح لنفسها افتراس الضعيف من الحيوان والطير ، فقد ذلها المطر وأغرقها فطفت على الماء كأنها جذور البصل البري . وهكذا يبدو المطر في خاطر الشاعر الجاهلي الكبير ، الذي يتابع رحلته حتى النهاية ، وكأنه يمثل قوة الوجود المدبرة . فهو قوي عادل كريم ينصر الضعفاء الممثلين بالأرض الواطئة وصغار الطير ، فيملأ الوادي بالنبت والزهر واللون ويدخل الفرحة على قلوب العصافير فتطرب وتغني . ويداعب الأقوياء الممثلين بالجبال التي يضايقها من كل جانب ويضعف من شأنها . ويفتك بذوي البطش الممثلين بالسباع الضارية فيقهرها ويغرقها ويجعلها تافهة ! وهذا علي يحس أمام الغيث ما أحسه امرؤ القيس من تمثيله القوة العادلة الكريمة ، فيقول في خاتمة حديث طويل : ( فلما ألقت السحائب بعاع ما استقلت به ( 1 ) من العبء المحمول عليها ، أخرج به من هوامد الأرض النبات ( 2 ) ومن زعر الجبال الأعشاب ( 3 ) فهي تبهج بزينة رياضها
1 - البعاع : ثقل السحاب من الماء . وألقى السحاب بعاعه : أمطر كل ما فيه . 2 - الهوامد من الأرض : ما لم يكن بها نبات . 3 - زعر ، مجمع أزعر ، وهو : الموضع القليل النبات .
24
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 24