نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 25
وتزدهي بما ألبسته من ريط أزاهيرها ( 1 ) وحلية ما سمطت به ( 2 ) من ناضر أنوارها وجعل ذلك بلاغا للأنام ورزقا للأنعام ! ) ثم إن عليا يوجز الفكرة البعيدة في ما شاهده امرؤ القيس من عمل المطر في الجبال والسباع ، بهذه الكلمة : ( من تعظم على الزمان أهانه . ) وإن هذه الروائع التي عبرت بنا في هذا الفصل ، لتنبع كلها من معين واحد بالرغم من اختلاف موضوعاتها وتباين أغراضها وتباعد ظروفها . ففيها جميعا هذه الأصالة في الفكر والحس والخيال والذوق ، التي تربط بين صاحبها وجملة الكائنات في وحدة وجودية مطلقة ! وأراك حيث رحت في أدب علي بن أبي طالب ، شاعرا بهذه الأصالة التي تحدوه أبدا إلى اكتناه الروابط الخفية الكامنة وراء مظاهر الحياة والموت ، ووراء الأشكال التي تختلف على الحقيقة الواحدة الثابتة التي لا تختلف . وما نزعته التوحيدية الجامحة إلا نزعة الأديب الحق يريد أن يركز الوجود ، في عقله وقلبه على السواء ، على أصول لا يجوز فيها قديم ولا جديد ! ويتبين من نهج البلاغة أن نظريات ابن أبي طالب الاجتماعية والأخلاقية ، تنبع بصورة مباشرة أو غير مباشرة من هذه النظرة الواحدة الشاملة إلى الوجود . فما أقرب الموت من الحياة في سنة الوجود . وما أقرب طرفي الخير والشر . وما أكثر ما يجتمع الحزن والسرور في قلب واحد في وقت معا ، والكسل والنشاط في جسد واحد . ( فرب بعيد هو أقرب من قريب - في أدب ابن أبي طالب - ورب رجاء يؤدي إلى الحرمان ، وتجارة تؤول إلى الخسران ) . وليس عجيبا أن يجوز في الناس قول ابن أبي طالب : من حفر لأخيه بئرا وقع فيها ، ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته ، ومن تكبر على الناس ذل ) فالدائرة الوجودية الواحدة تقضي على الناس والأشياء والكائنات جميعا بالخضوع لقاعدتها
1 - ريط ، جمع ريطة - بالفتح - وهي كل ثوب رقيق لين . 2 - سمط الشئ : علقت عليه السموط وهي : الخيوط تنظم في القلادة .
25
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 25