نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 22
( ومع فتق سمعه خط كمستدق القلم في لون الأقحوان أبيض يقق : فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق . وقل صبغ إلا وقد أخذ منه بقسط وعلاه بكثرة صقاله وبصيص ديباجه ورونقه فهو كالأزاهير المبثوثة لم تربها أمطار ربيع ولا شموس قيظ . وقد ينحسر من ريشه ويعرى من لباسه فيسقط تترى ، وينبت تباعا ، فينحت من قصبه انحتات أوراق الأغصان ثم يتلاحق ناميا حتى يعود كهيئته قبل سقوطه : لا يخالف سالف ألوانه ، ولا يقع لون في غير مكانه . إذا تصفحت شعرة من شعرات قصبه أرتك حمرة وردية ، وتارة خضرة زبرجدية ، وأحيانا صفرة عسجدية ، فكيف تصل إلى صفة هذا عمائق الفطن ، أو تبلغه قرائح العقول ، أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين ! ) وإليك قليلا من قوله في خلق السماء والأرض : ( فطر الخلائق بقدرته ، ونشر الرياح برحمته ، ووتد بالصخور ميدان أرضه . ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء ، وشق الأرجاء ، وسكائك الهواء ، فأجرى فيها ماء متلاطما تياره متراكما زخاره ، حمله على متن الرياح العاصفة ، والزعزع القاصفة . ثم أنشأ سبحانه ريحا أعتق مهبها ، وأعصف مجراها ، وأبعد منشأها ، فأمرها بتصفيق الماء الزخار ، وإثارة موج البحار ، فمخضته مخض السقاء وعصفت به عصفها بالفضاء ترد أوله إلى آخره وساجيه إلى مائره . . ) وأوصيك خيرا بهذه الآيات الروائع التي تتحدث بها عبقرية الإمام إلى المركب الإنساني جميعا فتصور له كيف يستوي الجليل واللطيف من الكائنات ، والشمس والقمر ، والماء والحجر ، والكبير والصغير ، والهين والصعب ، في معنى الوجود . وكيف تشترك جميعا في صفة الكون فإذا هي متساوقة متعاونة في النشيد الأعظم : نشيد الوجود الواحد الذي لا يجوز فيه تعظيم الدوحة العاتية على حساب النبتة النامية ، ولا يصح فيه تمجيد البحر الواسع واحتقار الساقية التي تضيع مياهها بين العشب والحصى . يقول علي ( لو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلتك الدلالة إلا على أن فاطر النملة هو فاطر النخلة . وما الجليل واللطيف ، والثقيل والخفيف ، والقوي والضعيف ، في خلقه إلا سواء
22
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 22