responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق    جلد : 1  صفحه : 18


يتفاعل مع الكون والحياة تفاعلا مباشرا مستمرا إذ يحس ويستلهم بعقله وشعوره وخياله ومزاجه وذوقه جميعا ، أي بجملة كيانه . وهو ، إلى ذلك ، أسبق وأعمق . فالأديب أستاذ الفيلسوف : أستاذه ودليله منذ كان ، وأستاذه ودليله إلى الأبد !
وإذا كان هذا هو الأمر ، وهو كذلك ، فإن علي بن أبي طالب عظيم من عظماء هذه الطائفة من حيث النظرة والأسلوب : طائفة الأدباء الخالدين الذين ينظرون إلى نجوم السماء ورمال الصحراء ومياه البحار وكساء الطبيعة فإذا هي أشياء من نفوسهم ، هذه النفوس التي تستشعر في الكون قوة وجودية واحدة جامعة كانت منذ الأزل وتبقى إلى الأبد .
يقول ميخائيل نعيمة الذي يمثل طاقة الفنان على الاحساس العميق بوحدة الوجود في أدبنا العربي المعاصر : ( بل كيف يكون أديبا من لا يحس جذوره في الأزل والأبد ، ولا يحس ما مضى وما سيأتي ! ) إن هذا الاحساس بالجمال الأسمى الذي يلف الكائنات جميعا . على تباين مظاهرها ، بوشاح واحد ، هو ما تراه في آثار عباقرة الأدب مهما تنوعت موضوعات هذه الآثار ، ومهما اختلفت ظروفها . فإذا أنت سمعت صوت الشاعر العظيم ينطق بلسان المسيح قائلا :
( تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو ، ولكن أقول لكم إنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها ! ) سمعت صوتا من أعظم ما سمع الكون ، وأدركت أمتع نظرة تخترق أعماق الجمال الكلي ، وتساءلت : أنى للتراب والصخر وسحب السماء أن تأتي بمثل هذه الروعة وهذا الجمال ، جمال زنابق الحقل وهي تنمو ، لو لم تكن وحدة الوجود هذه ولو لم يكن الجمال مدار الوجود الواحد ، ورابطة أجزائه منذ البداية حتى النهاية ؟ وهو ، في الوقت ذاته ، مدار الفكرة والشعور لدى الفنان : الخالق الصغير !
ومن ذلك قول المسيح الرائع وقد جاؤوه بزانية جعلت على نفسها سبيلا بحكم شرائعهم :
من كان منكم بلا خطيئة فليرجم هذه الزانية بحجر !
وإذا أنت سمعت قول الشاعر العظيم ينطق بلسان سليمان بن داود :
( جيل يمضي وجيل يأتي والأرض قائمة مدى الدهر . والشمس تشرق والشمس تغرب

18

نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق    جلد : 1  صفحه : 18
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست