نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 16
قال : ثم ضرب بيده على لحيته الشريفة فأطال البكاء ! وأخبر ضرار بن حمزة الضابئ قال : فأشهد لقد رأيته - يقصد الإمام - في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سدوله وهو قائم في ظلامه قابض على لحيته يتململ ويبكي بكاء الحزين ويقول : يا دنيا يا دنيا ، إليك عني ! أبي تعرضت ؟ أم إلي تشوقت ؟ لا حان حينك ، هيهات غري غيري ، لا حاجة لي فيك ، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها ! فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، وأملك حقير ! آه من قلة الزاد وطول الطريق وبعد السفر وعظيم المورد ! ) هذه العاطفة الحارة التي عرفها الإمام في حياته ، تواكبه أنى اتجه في نهج البلاغة ، وحيث سار . تواكبه في ما يحمل على الغضب والسخط ، كما تواكبه في ما يثير العطف والرضا . حتى إذا رأى تخاذل أنصاره عن مساندة الحق فيما يناصر الآخرون الباطل ويحيطونه بالسلاح وبالأرواح ، تألم وشكا ، ووبخ وأنب ، وكان شديدا قاصفا ، مزمجرا كالرعد في ليالي الويل ! ويكفيك أن تقرأ خطبة الجهاد التي تبدأ بقوله : ( أيها الناس المجتمعة أبدانهم ، المختلفة أهواؤهم ، كلامكم يوهي الصم الصلاب الخ ) . لتدرك أية عاطفة متوجعة ثائرة هي تلك التي تمد هذه الخطبة بنبض الحياة وجيشانها ! وإنه لمن المعيي أن نسوق الأمثلة على تدفق العاطفة الحية التي تبث الدف ء في مآثر الإمام . فهي في أعماله ، وفي خطبه وأقواله ، مقياس من المقاييس الأسس . وما عليك إلا أن تفتح هذا الكتاب كي تقف على ألوان من عاطفة ابن أبي طالب ، ذات القوة الدافقة والعمق العميق !
16
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 16