نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 15
ميادين الأدب وسائر الفنون الرفيعة ، إن لم تكن للعاطفة مشاركة فعالة في إنتاج هذا الأثر . ذلك إن المركب الإنساني لا يرضيه ، طبيعيا ، إلا ما كان نتاجا لهذا المركب كله . وهذا الأثر الأدبي الكامل ، هو ما نراه في نهج البلاغة . وإنك لتحس نفسك مندفعا في تيار جارف من حرارة العاطفة وأنت تسير في نهج البلاغة من مكان إلى آخر . أفلا يشيع في قلبك الحنان والعطف شيوعا وأنت تصغي إلى علي يقول ، ( لو أحبني جبل لتهافت ) أو ( فقد الأحبة غربة ! ) أو ( اللهم إني أستعديك على قريش ، فإنهم قد قطعوا رحمي وأكفأوا إنائي ، وقالوا : ( إلا أن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تمنعه ، فاصبر مغموما أم مت متأسفا ! فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد إلا أهل بيتي ! ) . وإليك كلاما له عند دفن السيدة فاطمة ، يخاطب به ابن عمه الرسول : ( السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك ، والسريعة اللحاق بك ! قل ، يا رسول الله ، عن صفيتك صبري ، ورق عنها تجلدي إلا أن لي في التأسي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك موضع تعز ! ) ومنه ( أما حزني فسرمد وأما ليلي فمسهد ، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم ! ) ثم إليك هذا الخبر : روى أحدهم عن نوف البكالي بصدد إحدى خطب الإمام علي قال : خطبنا هذه الخطبة بالكوفة أمير المؤمنين عليه السلام وهو قائم على حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي ، وعليه مدرعة من صوف ، وحمائل سيفه ليف ، وفي رجليه نعلان من ليف : فقال عليه السلام ، في جملة ما قال : ( إلا إنه أدبر من الدنيا ما كان مقبلا ، وأقبل منها ما كان مدبرا . وأزمع الترحال عباد الله الأخيار ، وباعوا قليلا من الدنيا لا يبقى بكثير من الآخرة لا يفنى ! ما ضر إخواننا الذين سفكت دماؤهم وهم بصفين أن لا يكونوا اليوم أحياء يسيغون الغصص ، ويشربون الرنق ؟ ! قد ، والله ، لقوا الله فوفاهم أجورهم وأحلهم دار الأمن بعد خوفهم ! أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق ؟ أين عمار ؟ وأين ابن التيهان ؟ وأين ذو الشهادتين ؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على النية ؟ )
15
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 15