responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق    جلد : 1  صفحه : 12


خفايا الخلق في الخفاش والنملة والطاووس والجرادة وما إليها . ويضع للمجتمع دساتير وللأخلاق قوانين . ويبدع في التحدث عن خلق الكون وروائع الوجود .
وإنك لا تجد في الأدب العربي كله هذا المقدار الذي تجده في نهج البلاغة من روائع الفكر السليم والمنطق المحكم في مثل هذا الأسلوب النادر .
أما الخيال في نهج البلاغة فمديد وسيع ، خفاق الجوانح في كل أفق . وبفضل هذا الخيال القوي الذي حرم منه كثير من حكماء العصور ومفكري الأمم ، كان علي يأخذ من ذكائه وتجاربه المعاني الموضوعية الخالصة ، ثم يطلقها زاهية متحركة في إطار تثبت على جنباته ألوان الجمال على أروع ما يكون اللون . فالمعنى مهما كان عقليا جافا ، لا يمر في مخيلة علي إلا وتنبت له أجنحة تقضي فيه على صفة الجمود وتمده بالحركة والحياة فخيال علي نموذج للخيال العبقري الذي يقوم على أساس من الواقع ، فيحيط بهذا الواقع ويبرزه ويجليه ، ويجعل له امتدادات من معدنه وطبيعته ، ويصبغه بألوان كثيرة من مادته ولونه ، فإذا الحقيقة تزداد وضوحا ، وإذا بطالبها يقع عليها أو تقع عليه !
وقد تميز علي بقوة ملاحظة نادرة ، ثم بذاكرة واعية تخزن وتتسع . وقد مر من أطوار حياته بعواطف جرها عليه حقد الحاقدين ومكر الماكرين ، ومر منها كذلك بعواطف كريمة أحاطه بها وفاء الطيبين وإخلاص المخلصين . فتيسرت له من ذلك جميعا عناصر قوية تغذي خياله المبدع . فإذا بها تتعاون في خدمة هذا الخيال وتتساوق في لوحات رائعة حية ، شديدة الروعة والحيوية ، تتركز على واقعية صافية تمتد لها فروع وأغصان ، ذات أوراق وأثمار !
ومن ثم يمكنك ، إذا أنت شئت أن تحول عناصر الخيال القوي في نهج البلاغة إلى رسوم مخطوطة باللون ، لشدة واقعيتها واتساع مجالها وامتداد أجنحتها وبروز خطوطها . ألا ما أروع خيال الإمام إذ يخاطب أهل البصرة وكان بنفسه ألم منهم بعد موقعة الجمل ، قائلا :
( لتغرقن بلدتكم حتى كأنني أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ طير في لجة بحر ( 1 ) !


1 - الجؤجؤ : الصدر .

12

نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق    جلد : 1  صفحه : 12
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست