responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق    جلد : 1  صفحه : 11


وأي إيجاز معجز هو هذا الإيجاز : من تخفف لحق ) وأي جليل من المعنى في العبارات الأربع وما تحويه من ألفاظ قلائل فصلت تفصيلا ، بل قل أنزلت تنزيلا .
ثم عن أي حدة في الذكاء واستيعاب للموضوع وعمق في الإدراك ، يشف هذا الكشف العجيب عن طبع الحاسد وصفة نفسه وحقيقة حاله : ( ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد : نفس دائم وقلب هائم وحزن لازم . مغتاظ على من لا ذنب له ، بخيل بما لا يملك ! ) .
ويستمر تولد الأفكار في ( نهج البلاغة ) من الأفكار فإذا أنت منها أمام حشد لا ينتهي .
وهي مع ذلك لا تتراكم ، بل تتساوق ويترتب بعضها على بعض . ولا فرق في ذلك بين ما يكتبه علي وما يلقيه ارتجالا . فالينبوع هو الينبوع ولا حساب في جريه لليل أو نهار .
ففي خطبه المرتجلة معجزات من الأفكار المضبوطة بضابط العقل الحكيم والمنطق القويم وإنك لتدهش ، أمام هذا المقدار من الإحكام والضبط العظيمين ، حين تعلم أن عليا لم يكن ليعد خطبة ولو قبيل إلقائها بدقائق أو لحظات .
فهي جائشة في ذهنه منطلقة على لسانه عفو الخاطر لا عنت ولا إجهاد ، كالبرق إذ يلمع ولا خبر يأخذه أو يعطيه قبل وميضه . وكالصاعقة إذ تزمجز ولا تهئ نفسها لصعق أو زمجرة .
وكالريح إذ تهب فتلوي وتميل وتكسح وتنصب على غاية ثم إلى مداورها تعود ولا يدفعها إلى أن تروح وتجئ إلا قانون الحادثة ومنطق المناسبة في حدودها القائمة ، لا قبل ولا بعد !
ومن مظاهر الذكاء الضابط القوي في نهج البلاغة تلك الحدود التي كان علي يضبط بها بها عواطف الحزن العميق إذ تهيج في نفسه وتعصف . فإن عاطفته الشديدة ما تكاد تغرقه في محيط من الأحزان والكآبات البعيدة ، حتى يبرز سلطان العقل في جلاء ومضاء ، فإذا هو آمر مطاع .
ومن ذكاء علي المفرط الشامل في نهجه كذلك أنه نوع البحث والوصف فأحكم في كل موضوع ولم يقصر جهده الفكري على واحد من الموضوعات أو سبل البحث . فهو يتحدث بمنطق الحكيم الخبير عن أحوال الدنيا وشؤون الناس ، وطبائع الأفراد والجماعات . وهو يصف البرق والرعد والأرض والسماء . ويسهب في القول في مظاهر الطبيعة الحية فيصف .

11

نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق    جلد : 1  صفحه : 11
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست