له ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولى تجهيزه ، وسأله السندي أن يأذن له في تجهيزه فأبى ، وقال : إنا أهل بيت مهور نسائنا ، وحج صرورتنا ، وأكفان موتانا من طاهر أموالنا ، وعندي كفني [1] واحضر له السندي مولاه فعهد له بتجهيزه . ولما ثقل حال الامام ، وأشرف على النهاية المحتومة استدعى المسيب بن زهرة ، وقال له : " اني على ما عرفتك من الرحيل إلى الله عز وجل فإذا دعوت بشربة من ماء فشربتها ورأيتني قد انتفخت ، واصفر لوني واحمر ، واخضر ، وأتلون ألوانا ، فأخبر الطاغية بوفاتي . . . " . قال المسيب : فلم أزل أراقب وعده ، حتى دعا ( عليه السلام ) بشربة فشربها ، ثم استدعاني فقال : " يا مسيب إن هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنه يتولى غسلي ، ودفني ، وهيهات ، هيهات أن يكون ذلك أبدا فإذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها ، ولا ترفعوا قبري فوق أربعة أصابع مفرجات ، ولا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به فان كل تربة لنا محرمة الا تربة جدي الحسين بن علي فان الله عز وجل جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا . . " . قال المسيب : ثم رأيت شخصا أشبه الأشخاص به جالسا إلى جانبه ، وكان عهدي بسيدي الرضا ( عليه السلام ) وهو غلام فأردت أن أسأله ، فصاح بي سيدي موسى وقال : أليس قد نهيتك ، ثم انه غاب ذلك الشخص ، وجئت إلى الامام فإذا به جثة هامدة قد فارق الحياة ، فانتهيت بالخبر إلى الرشيد [2] . لقد سمت روح الامام إلى خالقها العظيم تحفها ملائكة الرحمن بطاقات من زهور الجنة ، وتستقبلها أرواح الأنبياء والأوصياء والمصطفون الأخيار . سيدي أبا الرضا : لقد مضيت إلى دار الخلود بعد أن أديت رسالتك ، ورفعت كلمة الله عالية في الأرض ، ونافحت عن حقوق المظلومين ، والمضطهدين ، وقاومت الطغيان والاستبداد ، فما أعظم عائدتك على الاسلام والمسلمين . سيدي أبا الرضا :
[1] مقاتل الطالبين ( ص 504 ) . [2] حياة الإمام موسى 2 / 514 - 515 .