وأخذ الرسالة ، وبعد أدائه لفريضة الحج اتجه صوب وطنه فلما انتهى إليه ، مضى إلى الحاكم ليلا فطرق باب بيته فخرج غلامه فقال له : " من أنت ؟ " . " رسول الصابر موسى بن جعفر . . " . فهرع إلى مولاه فأخبره بذلك فخرج حافي القدمين مستقبلا له فعانقه وقبل ما بين عينيه ، وطفق يسأله بلهفة عن حال الامام وهو يجيبه ، ثم ناوله رسالة الامام ، فأخذها باكبار وقبلها فلما قرأها استدعى بأمواله وثيابه فقاسمه في جميعها ، وأعطاه قيمة ما لا يقبل القسمة ، وهو يقول له : " يا أخي هل سررتك ؟ . . . " وسارع الرجل قائلا : " أي والله وزدت على ذلك . . . " ثم استدعى الحاكم السجل فشطب على جميع الديون التي على الرجل ، وأعطاه براءة منها ، فخرج وقد غمرته موجات من الفرح والسرور ، ورأى أن يجازي احسانه بإحسان فيمضي إلى بيت الله الحرام ويدعوا له ، ويخبر الامام بما أسداه عليه من المعروف ، ولما أقبل موسم الحج سافر إلى بيت الله الحرام ، ولما انتهى إليه دعا للرجل باخلاص ، وأخبره بما أسداه حاكم الري من الاحسان إليه فسر الامام بذلك سرورا بالغا ، والتفت إليه الرجل قائلا : " يا مولاي هل سرك ذلك ؟ " . " أي والله لقد سرني ، وسر أمير المؤمنين ، والله لقد سر جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولقد سر الله تعالى . " [1] . وهذه المبادرة تمثل مدى اهتمامه بإغاثة الملهوفين ، وبها نطوي الحديث عن بعض خصائصه وصفاته . الامام مع هارون : وعانى الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ألوانا قاسية من المحن والخطوب في عهد الطاغية هارون الذي جهد على ظلمه والتنكيل به ، فقد قضى زهرة حياته في ظلمات