" انما قلت : لك كم ترجو أن يجيئك منه ! " " أرجو أن يجيئني منه مائتا دينار " . فأعطاه سليل النبوة ثلاث مائة دينار ، وقال : هذه لك وزرعك على حاله ، فانقلب العمري رأسا على عقب وخجل على ما فرط في حق الامام ، وانصرف الامام عنه وقصد الجامع النبوي ، فوجد العمري قد سبقه فلما رأى الامام قام إليه ، وهو يهتف بين الناس : " الله اعلم حيث يجعل رسالته فيمن يشاء . . " وبادر أصحابه منكرين عليه هذا التغيير فأخذ يخاصمهم ويذكر مناقب الامام ومآثره ، والتفت الامام إلى أصحابه قائلا : " أيما كان خيرا ؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار " [1] لقد عامل الامام مبغضيه ومناوئيه بالاحسان واللطف فاقتلع من نفوسهم النزعات الشريرة ، وغسل أدمغتهم التي كانت مترعة بالجهل والنقص ، وقد وضع امامه قوله تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم ) . . 2 - ومن آيات حلمه أنه اجتاز على جماعة من أعدائه كان فيهم ابن هياج فأمر بعض أتباعه ان يتعلق بلجام بغلة الامام ويدعي أنها له ، ففعل ذلك ، وعرف الامام غايته فنزل عن البغلة وأعطاها له [2] وقد اعطى الامام بذلك مثلا أعلى للحلم وسعة النفس ، وكان ( عليه السلام ) يوصي أبناءه بالتحلي بهذه الصفة الكريمة فقد قال لهم : " يا بنى أوصيكم بوصية من حفظها انتفع بها ، إذا أتاكم آت ، فأسمع أحدكم في الاذن اليمنى مكروها ، ثم تحول إلى اليسرى فاعتذر لكم ، وقال : إني لم أقل شيئا فاقبلوا عذره " [3] وبهذه الوصية نقف على مدى حلمه وسعة أخلاقه ، وعدم مقابلة المسئ بالمثل وهذه الظاهرة من أهم الوسائل الداعية إلى التآلف وجمع الكلمة بين الناس