قال ( عليه السلام ) : " واعلم يا أمير المؤمنين أن الجسد بمنزلة الأرض الطيبة متى تعوهدت بالعمارة والسقي من حيث لا يزداد في الماء فتغرق ، ولا ينقص منه فتعطش دامت عمارتها ، وكثر ريعها وزكى زرعها ، وان تغوفل فسدت ، ولم ينبت فيها العشب فالجسد بهذه المنزلة ، وبالتدبير في الأغذية والأشربة يصلح ، ويصلح ، وتزكو العافية . فانظر يا أمير المؤمنين ما يوافقك ، ويوافق معدتك ، ويقوى عليه بدنك ، ويستمريه من الطعام ، فقدره لنفسك ، واجعله غذاءك . واعلم يا أمير المؤمنين ان كل واحدة من هذه الطبايع تحب ما يشاكلها فاغتذ ما يشاكل جسدك ، ومن أخذ من الطعام زيادة لم يغذه ، ومن أخذه بقدر لا زيادة عليه ولا نقص في غذائه نفعه ، وارفع يديك منه ، وبك إليه بعض القرم ، وعندك إليه ميل فإنه أصلح لمعدتك ولبدنك ، وأزكى لعقلك ، وأخف لجسمك . . . " . ووضع الإمام الحكيم المنهج العام للصحة العامة ، وأساسها التوازن ، وعدم الاسراف في الأكل والشرب ، وقد أعلن القرآن هذه القاعدة في حفظ بدن الانسان ووقايته من الإصابة بالأمراض قال تعالى : ( كلوا واشربوا ولا تسرفوا ) . إن الجهاز الهضمي من أهم أجهزة الانسان ، وأكثرها حيوية وحساسية وهو يتأثر بالاسراف في الاكل الذي تنجم منه السمنة التي هي من أعظم الآفات المدمرة لبدن الانسان . ان العناية بالتغذية خصوصا في مقتبل العمر لها تأثير كبير على الحالة الصحية في السنوات التالية كما تطيل في فترات الشباب ، وهي من أحدث الوسائل في الصحة الوقائية ، فما يصيب الانسان - على الأكثر - من الأمراض المتنوعة انما هي من النتائج المباشرة لإسرافه في الطعام ، والشراب ، وعدم توازنه في حياته الجنسية وغيرها من شؤون حياته . لقد شبه الإمام الحكيم بدن الانسان بالأرض الخصبة ، وهو تشبيه بديع للغاية ، فان الانسان إذا اعتنى بأرضه ، وسهر على اصلاحها أثمرت وأعطت أطيب الثمرات ، وإذا عرض عنها ، وأهملها فإنها تتلف وتموت ولا تعطي أي ثمار ، وكذلك بدن الانسان إذا أصلحه ولم يفسده بكثرة الأكل والشرب فإنه يصلح ، ويتمتع بالصحة التي هي من أثمن ما يظفر به الانسان في حياته .