وفي كل ما قدمناه دلالة واضحة على سجايا الإمام ، ومركزه ، وشخصيته . وكما يقولون : " والفضل ما شهدت به الأعداء " . ومما يدل على مكانته وهيبته ما ورد في رواية أخرى ، يقول فيها المتحدث : " . دخلنا ( أي هو والرضا " ع " ) على المأمون ، فإذا المجلس غاص بأهله ، ومحمد بن جعفر في جماعة الطالبيين والهاشميين ، والقواد حضور . فلما دخلنا قام المأمون ، وقام محمد بن جعفر ، وجميع بني هاشم ، فما زالوا وقوفا والرضا جالس مع المأمون ، حتى أمرهم بالجلوس ، فجلسوا ، فلم يزل المأمون مقبلا عليه ساعة الخ [1] " . وأما ما جرى في نيسابور : فلا يكاد يخلو منه كتاب يتعرض لأحوال الرضا ( ع ) ، ومسيره إلى مرو ، فإنه عندما دخل نيسابور تعرض له الحافظان : أبو زرعة الرازي ، ومحمد بن أسلم الطوسي ، ومعهما من طلبة العلم ما لا يحصى ، وتضرعوا إليه أن يريهم وجهه ، فأقر عيون الخلائق بطلعته ، والناس على طبقاتهم قيام كلهم . وكانوا بين صارخ ، وباك ، وممزق ثوبه ، ومتمرغ في التراب ، ومقبل لحافر بغلته ، ومطول عنقه إلى مظلة المهد ، إلى أن انتصف النهار ، وجرت الدموع كالأنهار ، وصاحت الأئمة : " معاشر الناس ، أنصتوا ، وعوا ، ولا تؤذوا رسول الله صلى الله عليه وآله في عترته . " فأملى صلوات الله عليه ، عليهم ، بعد أن ذكر السلسلة الذهبية الشهيرة
[1] مسند الإمام الرضا ج 2 ص 76 ، والبحار ج 49 ص 175 ، وعيون أخبار الرضا ج 2 ص 156 .