على أرجائها [1] . ثم وصل الامر إلى الأرضين ، والخلق لا يشعرون ، فرج أرضهم وأرجفها بهم وزلزلها عليهم وقلع أجبالها من أصولها ونسفها وسيرها ودك بعضها بعضا من هيبة جلاله [2] ثم كانت كالعهن المنفوش قد دكت هي وأرضها دكة واحدة [3] وأخرج من فيها / 56 / ب / وجددهم بعد إبلائهم وجمعهم بعد تفرقهم لما يريد من توقيفهم ومسألتهم عن الأعمال [4] فمن أحسن منهم يجزيه بأعماله وإحسانه ، ومن أساء منهم يجزيه بإساءته [5] ثم ميزهم فجعلهم فريقين : فريقا في ثوابه وفريقا في عقابه . ثم خلد الامر لأبده ، دائم خيره مع المطيعين وشره مع العاصين [6] وأثاب أهل الطاعة بجواره والخلود في داره وعيش رغد وخلود دائم [7] ومجاورة رب كريم ومرافقة محمد صلى اله عليه [ وآله ] وسلم حيث لا يظعن النازل ؟ ولا يتغير بهم الحال ، ولا يصيبهم الافزاع ، ولا تنوبهم الفجائع ولا يمسهم الأسقام والأحزان . فأما أهل المعصية فخلدهم في النار ، وقد غلت منهم الأيدي إلى الأعناق [8] ، وقرن منهم النواصي بالاقدام وألبست الأبدان سرابيل القطران ، وقطعت لهم مقطعات النيران ، في عذاب حديد ، يريد ولا يبيد ، ولا مدة للدار فتفنى ولا أجل للقوم فيقضى [9] .
[1] الارجاء : جمع الرجاء - مقصورا وممدودا - : النواحي والأطراف . [2] وفي المختار : " 107 " من نهج البلاغة : أماد السماء وفطرها ، وارج الأرض وأرجفها ، وقلع جبالها ونسفها ، ودك بعضها بعضا من هيبة جلالته ومخوف سطوته . قوله عليه السلام : ورج أرضها : حركها وهزها . وأرجفها : زلزلها وحركها شديدا . ونسفها : قلعها . غربلها . فرقها . [3] دك بعضها بعضا هدم بعضها بعضا . كبسه . دفعه . والعهن بكسر العين فسكون الهاء : الصوف . والمنفوش : المشعث المتفرق . [4] أي عن عمالهم . والابلاء : كون الشئ باليا . [5] لفظة : " يجزيه " يفي الموردين من أصلي رسم خطها غير جلي في أصلي ، وربما يقرآن : " جزي " . [6] المراد من الشر - هاهنا وأمثاله - : ملا يلائم العاصين ، ويراد منه مجازاتهم على أعمالهم . [7] العيش الرغد : العيش المتسع الطيب الخصيب . [8] وفي المختار : " 107 " من نهج البلاغة : وأما أهل المعصية فأنزلهم شر دار وغل الأيدي إلى الأعناق . . . [9] فيقضى : ينقضي وينتهي أمده . والسلام مقتبس معنى من قوله تعالى في الآية : " 36 " من سورة فاطر : ( والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخف عنهم من عذابها ) .