فما أسهل لعلي ( عليه السلام ) أن ( يصلح ) شعبه بالقوة والاضطهاد والقتل ، كما فعل غيره ! لكنه لا يستحل ذلك ، ولا هو قضيته ، ولا من هدفه ! ليس هدف علي من الأمة مجرد الطاعة ، بل القناعة بالطاعة ! فطاعة الخوف طاعة أبدان وأبشار ، وغرض علي في العقول والأفكار ! نعم ، كان باستطاعة عليٍّ ( عليه السلام ) أن يؤسس ملكاً عريضاً لبني هاشم ، ويورَّث الحسن والحسين أمبراطورية أعظم مما ورث الأكاسرة والقياصرة لأبنائهم ! لكنها أمبراطورية كغيرها تقوم على الدماء والأشلاء ، وظلم العباد والبلاد ، والغارة على أموال الفقراء ، دونها غارة الذئاب الكاسرة على المعزى الكسيرة ! ونتيجتها في الدنيا أن يعتمل الظلم في نفوس الشعوب بعد حين ، فيستغله ثوار محترفون ، ويحدثون موجةً كاسحة على بني هاشم ، كما حدثت على بني أمية الذين أخذهم طوفان ظلمهم بعد ثمانين سنة ، حتى قال شاعر الثوار لقائدهم : < شعر > لا يغرَّنْكَ ما ترى من رجال * إن تحت الضلوع داء دويَّا فضعِ السيفَ وارفع السوطَ حتى * لا ترى فوق ظهرها أمويا < / شعر > ودخل عليه آخر : ( وقد أجلس ثمانين من بني أمية على سمط الطعام ، فأنشده : < شعر > أصبح الملكُ ثابت الأساسِ * بالبهاليل من بني العباسِ طلبوا وتر هاشم وشفوْها * بعد ميْل من الزمان وياس لا تقيلنَّ عبد شمس عثاراً * واقطعن كل رَقْلة وأواسي ذُلُّها أظهر التوددَ منها * وبها منكم كحزِّ المواسي ولقد غاظني وغاظ سوائي * قربها من نمارق وكراسي أنزلوها بحيث أنزلها الله * بدار الهوان والإتعاس واذكروا مصرع الحسين وزيد * وقتيلاً بجانب المهراس والقتيل الذي بحران أضحى * ثاوياً بين غربة وتناسي < / شعر >