ومن جهة ثانية ، أثارت هذه المشاهد مشاعر التعجب والإكبار لنُبْل الشيعة وتصرفهم تجاهها ، فقد سجل مراسلو الفضائيات دهشتهم من أمرين : الأول ، السرعة التي انتهى فيها ذعر الناس في مكان تفجيرات كربلاء ومناظرها المرعبة ، فقد بادر متطوعون منهم في مكان الحادث إلى نقل الجرحى وجمع الجثامين والأشلاء ، بينما واصل ملايينهم حتى الذين كانوا قرب المكان عملهم المقدس الأهم ، وهو أداء مراسمهم في عزاء الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، في مواكبهم الذاهبة إلى حرمه المقدس أو العائدة منه ، بدموعها الحرَّى على سيد الشهداء ( عليه السلام ) ، ولطمها الحزين على الصدور ، أو ضربها المفجع للهامات وأناشيدها ! وقد حدثني شخص كان على بُعد أمتار من تفجيرات كربلاء قائلاً : لقد تعجبت من زوار الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، فما هي إلا دقائق حتى واصلوا مواكبهم بهتافهم المشهور : أبدْ والله ما ننسى حسينا ، وبعضهم أضافوا إلى هتافهم : أبدْ والله بالتفجير ما ننسى حسينا . . واستمروا في مراسمهم وكأن شيئاً لم يحدث ! ! والثاني ، قرار الصبر والعض على الجراح ، الذي اتضح بسرعة ، وظهر منه أن الشيعة قد تبانوا عليه فيما بينهم ، واتخذوا موقفاً مسبقاً حازماً بعدم الإنجرار إلى الفتنة الطائفية ، بإجماع مراجعهم وزعمائهم ، وملايينهم الكربلائية ! جذور الظلامة يبقى الأمر الأهم الذي أثارته هذه الفواجع : التأمل في سببها وجذورها الفكرية والتاريخية ، التي جعلت قتل المسلم الشيعي ( ديناً ) يربي المتطرفون عوامهم عليه ، ويقنعونهم بأن الشيعي مشركٌ مهدور الدم ، وأن عليهم أن يتقربوا إلى الله تعالى بإراقة دمه ، ونهب ماله ، وهتك عرضه ! فمتى بدأت هذه الحالة في تاريخنا الإسلامي ، وكيف تطورت ، والى أين