سياسة أمير المؤمنين في إتمام الحجة على أعدائه ربما زادت الرسائل المتبادلة بين علي ( عليه السلام ) ومعاوية على عشرين رسالة ، مع أن المدة الفاصلة بين بيعته بالخلافة وبين حرب صفين كانت نحو سنة ! وقد اشتهر اسم جرير بن عبد الله البجلي ، الصحابي الذي كان مبعوثه إلى معاوية . ومن المفيد أن يقوم أحد بجمع نصوص الرسائل والمحادثات ، التي جرت بين علي ( عليه السلام ) وأعدائه : معاوية ، والخوارج ، وطلحة والزبير وعائشة ، وفي المصادر كثير منها ، فيدرسها من حيث العدد والتوقيت والمضامين ، لتوضيح وحدة وجه الحق عند علي ( عليه السلام ) والنبي ( صلى الله عليه آله ) ، ووحدة سياستهما في إتمام الحجة ! فالقضية عند النبي ( صلى الله عليه آله ) وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ليست خصومةً ، ولا قتالاً من أجل الغلبة والسلطة ، بل قضية دقيقة ومسؤولية شرعية أمام الله تعالى ، لا بد فيها من الإعذار في دعوة الخصم إلى الحق وإتمام الحجة عليه ، كما لا بد من توجيه المقاتلين لأن تكون دوافعهم ونياتهم لنصرة الله تعالى ، وليس للحمية والغلبة والتعصب لقائدهم وقبيلتهم وبلدهم . وقد تقدم آنفاً قول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لجيشه عندما قاتلوا جيش معاوية على الماء : ( هذا يوم نصرتم فيه بالحمية ) فالقضية عنده ( عليه السلام ) ليست من يشرب من الفرات بل مَن يشرب من الكوثر ، وهو الذي يقاتل لله تعالى لا لشخصه وقومه ! وكذلك قوله ( عليه السلام ) لصعصعة عندما بعثه إلى معاوية : ( إئت معاوية فقل إنا سرنا مسيرنا هذا ، وأنا أكره قتالكم قبل الإعذار إليكم ، وإنك قد قدمت بخيلك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك وبدأتنا بالقتال ، ونحن من رأينا الكف حتى ندعوك ونحتج عليك ) . ومما نلاحظه أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقَّت وصول جيشه إلى صفين قرب شهر محرم الحرام ، الذي هو هدنة إجبارية لحرمة القتال فيه ، وذلك من أجل إتمام