الحجة على معاوية وأهل الشام ، ورفع مستوى أصحابه ليكون قتالهم لهم خالصاً لله تعالى ، بعيداً عن التعصب للعراق والشام وشخص علي ومعاوية . وهذا الأسلوب المتأني من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لم يعجب كثيرين من جيشه فاشتكوا من تأخير القتال ، بل تجرأ الخشنون منهم وكانوا كثرة ، فأشاعوا أن علياً يكره الموت ! وأنه يشك في مشروعية قتال أهل الشام ! ففي نهج البلاغة : 1 / 104 : ( ومن كلام له ( عليه السلام ) وقد استبطأ أصحابه إذنه لهم في القتال بصفين : أما قولكم أكلُّ ذلك كراهية الموت ؟ فوالله ما أبالي أدخلت إلى الموت أو خرج الموت إليَّ . وأما قولكم شكاً في أهل الشام ، فوالله ما دفعت الحرب يوماً إلا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي وتعشو إلى ضوئي ، وذلك أحبُّ إليَّ من أن أقتلها على ضلالها وإن كانت تبوء بآثامها ) . * * وقد استعمل عليٌّ ( عليه السلام ) أسلوبه الخاص في إتمام الحجة ، ليثبت لمن كان له قلب أن معاوية على الباطل ، وأنه نفسه يعرف ذلك ! فدعا معاوية مراراً أن يجنب المسلمين المعركة ، وأن يبارزه شخصياً ، لتكون المبارزة مباهلةً أمام الله تعالى لينصر المحق ويقتل المبطل منهما ! فقد كتب إليه ذلك في رسائله ، وبعث إليه مع مبعوثيه ، ونادى به في مقاطع من الحرب في صفين ! كتب له كما في نهج البلاغة : 3 / 11 : ( وقد دعوت إلى الحرب ، فدع الناس جانباً واخرج إليَّ وأعف الفريقين من القتال ، ليُعلم أيُّنا المَرينُ على قلبه ، والمغطى على بصره ! فأنا أبو حسن قاتل جدك وخالك وأخيك شدخاً يوم بدر ، وذلك السيف معي ، وبذلك القلب ألقى عدوي ، ما استبدلت ديناً ، ولا استحدثت نبياً ، وإني لعلى المنهاج الذي تركتموه طائعين ودخلتم فيه مكرهين ) . انتهى . وقد كرر ( عليه السلام ) دعوته هذه لمعاوية في صفين حتى صارت فضيحة روى المؤرخون لها قصصاً بين معاوية وابن العاص وبقية الطلقاء وشخصيات الشام !