إيمان ورضا ، ووطنوا أنفسهم على العطاء لله من حقهم وكرامتهم حتى يرضى ! لكن هذا اليقين لا يمنع فاطمة ( عليها السلام ) أن تستشرف صور الفتنة ، وعواصفها المزمجرة ، كلما اقتربت أيام وصولها ، فتبكي لأبيها العطوف الحنون ، لكي يشاركها بدمعة قبل أن يرحل ! ويقول لهؤلاء في أنفسهم قولاً بليغاً ، فيسمع موقفه من أصحابه من لم يسمعه ، لعل ذلك يخفف من موج العاصفة ! أخبرها النبي ( صلى الله عليه آله ) أن الله تعالى قضى على هذه الأمة كما قضى على الأمم السابقة ، أن يعطيها الحرية لاختيار الضلال إن شاءت ، ما دامت لم ترتفع إلى مستوى من التقوى فتفرق عملياً بين القيادة المعينة من الله تعالى ، والمعينة من القبائل المتغلبة ! وأن امتحان العترة قريب ! وأن عاصفة قريش الطلقاء لا تبعد أكثر من ساعة عن وفاته حتى تزمجر ! فقد ذهبا إلى السقيفة يتعاديان ليصفق عمر على يد أبي بكر ويعلنه خليفة ، بعد أن ناقشا لنصف ساعة أو أقل سعد بن عبادة المريض وبضعة نفر حوله ! ثم جاء دور ألوف الطلقاء الذين حشدوهم في المدينة لثبيت السلطة الجديدة ، وتنفيذ اضطهاد آل محمد ( صلى الله عليه آله ) ! أخبرها أنهم سيفتحون عليهم باب الاضطهاد حتى يضج منه التاريخ ! فيعيشون وشيعتهم مظلومين مقهورين ، ما بين مقتول ومسموم ومسجون ومشرد وخائف على دمه ، حتى يظهر مهديهم الموعود . بكى النبي لبكاء فاطمة ، وقال لها نعم سيكون ما تخشيْن ، لكن ربنا عز وجل أكرمنا وفضلنا ، وعلينا أن ندفع ضريبة العبودية الكاملة له ، وهي ضريبة لأيام قليلة تعقبها راحة طويلة . إن عمر الدنيا القصير يسهل الأمر ، يا بنية ! كانت فاطمة ترى الأمور تسير نحو الكارثة على الاسلام وعترة نبيه ( صلى الله عليه آله ) بمجرد أن يغمض النبي ( صلى الله عليه آله ) عينيه ويلاقي ربه !