ولن يكون هو ذلك المربي الصالح ، ولا الحافظ الناجح . . بل سيكون في سائر الناس من هو أولى منه بذلك ، إذا كان بعيداً عن أمثال هذه الهنات ، والتزم جانب الحذر ، والمراعاة لما تقوده إليه حكمته ، ويهديه إليه عقله ، ويرشده إليه تدبيره . . وذلك كله يحتم علينا أن نقول : إنه حين يختار المعصوم المرجوح ، فلا بد أن يراه على أنه هو الراجح ، رؤية لا تخل بعصمته ، ولا بحكمته ، ولا بعقله ، ولا بتدبيره ، ولا بتوازن الشخصية لديه . . ولو بأن يقال : إن مرجوحيته إنما هي في مقام الواقع وراجحيته إنما هي في مقام الظاهر ، والتكليف متوجه إليه بما هو في مرحلة الظاهر ، وبحسب ما تؤدي إليه الأدلة ، والحجج المجعولة ، والتي يجب عليه الالتزام بها . . أما مرحلة الواقع فلا تكليف فيها حتى لو علم به من طرق أخرى ، إذ أنه ممنوع عن متابعة علمه الواصل إليه منها . . وقضية آدم « عليه السلام » هي من هذا القبيل ، كما سنرى . فيكون خلافه للأولى بحسب الواقع ونفس الأمر ، إنما هو لصالح ما هو أولى منه في مرحلة الظاهر ، بسبب ما استجد من عناوين مرجحة له إلى درجة التعيين والإلزام . . ولولا ذلك ، فإن ارتكاب النبي آدم « عليه السلام » لخلاف الأولى يفقده الأهلية لمقام النبوة ، ويجعله أهلاً للعقاب والعتاب ، فإن مخالفة الأولى لا تقبل من الإنسان العادي ، فكيف بنبي يعرف من اسم الله الأعظم خمسة وعشرين حرفاً ، وهم يقولون : إن حسنات الأبرار سيئات المقربين ، وإذا جاز على الناس العاديين فعل مخالفة الأولى ، فذلك لقصورهم أو لتقصيرهم ، وإنما يعفو الله عنهم ، ولا يعاتبهم ، تفضلاً منه وتكرماً . . وصدور ذلك من الأنبياء ، أصعب وأشد ، فإن ذلك ينقص من مقامهم ،