حتى لو لم يعاقبهم الله ولم يعاتبهم ، لأن العفو التفضلي لا يعني بقاء المعفو عنه على درجة الأهلية ، ولا يرى الناس من يرتكب ذلك أهلاً لمثل هذه المقامات العظيمة البالغة الحساسية ، بل هو يسقط محله من نفوسهم وقلوبهم . . ولو كان ما صدر من النبي آدم « عليه السلام » خلاف الأولى ، لما حصل بسبب ما فعله على التكريم الإلهي والتعظيم ، وعلى الجوائز والمقامات ، والعوائد والهبات . . ولتوضيح ما نرمي إليه نعود فنقول : إنه حين خالف النبي آدم « عليه السلام » الأولى ، فإن كان يدرك أولويته ، ثم تركه ، فهناك خلل في مستوى وعيه ، أو في حكمته ، أو من حيث تسلط هواه عليه ، أو عدم توازن في شخصيته . . وإن كان لم يدرك الرجحان ، الذي من شأنه أن يدركه عامة الناس ، ومع كون المورد أيضاً من موارد إدراكات العقول ( كالحسن والقبح العقليين ) ، فهذا إنسان لا يليق بمقام النبوة ، بسبب ضعف إدراكه ، أو لوجود خلل عقلي لديه . . وموضوع إطاعة الأوامر هو مما يدرك الناس جميعاً وجوبه ، استناداً إلى قانون الملكية والمملوكية ، والمولوية والعبودية . . فإذا انتفى الأمران السابقان تعين الأمر الثالث ، وهو أن يكون النبي آدم « عليه السلام » عالماً بما هو راجح في الواقع ، ولكن رأى أنه قد عرضت له عناوين جعلته مرجوحاً في مرحلة الظاهر ، أو العكس . . فالنبي آدم « عليه السلام » قد ترك الأولى في الواقع وعمل بالأولى ، في مرحلة الظاهر . . فالصدق مثلاً أمر حسن في الواقع ، لكن إذا كان يوجب قتل نبي ، فإنه يصبح قبيحاً ( في مرحلة الظاهر ) . .