إن إبليس حتى وهو أبعد مخلوقات الله ، عن رحمة الله ، لا بد أن يعامله الله بعدله ، القاضي بإفساح المجال له ليختار ، وليفعل ما يختار ، فلا مجال لإجراء الأمور عليه بالقهر والجبر ، بل حاله حال أي مكلف آخر . . ولأجل ذلك لم يكن ليتعامل معه بطريقة الغيب ، التي تؤدي إلى عجزه عن التصرف ، وتأخذ عليه السبيل ، ولأجل ذلك كان مقتضى العدل هو الاقتصار على دلالة النبي آدم عليه ، وإعلامه بعدوانيته ، وبنواياه . . وأما سائر الأمور فإنه أوكلها إلى سائر الهدايات ، لأن التحرك من موقع الغيب فيها معناه إخراجها عن دائرة الاختيار ، وهو على خلاف السنة الإلهية الجارية في المخلوقات برهم وفاجرهم . . ولأجل ذلك لم يكن يحق للأنبياء والأوصياء أن يتعاملوا مع الناس ، إلا بالعلوم العادية المتيسرة لكل أحد ، فلا يحق لهم أن يعاملوهم بعلم الشاهدية على الأعمال ، أو بعلم الغيب الذي يظهرهم الله عليه ، لأن في ذلك نوعاً من الظلم والقهر للناس ، لأنه يتوسل بأمور ليس لهم سبيل إليها ، وهي خارجة عن دائرة اختيارهم . . طموحات النبي آدم عليه السلام : وبعد ، فإن آدم « عليه السلام » هو ذلك الإنسان الإلهي ، الذي خلقه الله تعالى من تراب - وفي التراب المزيد من الخير والعطاء والزيادة - وقد أراد تعالى لآدم « عليه السلام » أن يكون ذلك الإنسان الكامل ، الخالص ، والصفوة ، والرضي في صفاته وحالاته . والعاقل المدرك ، والحكيم ، والمتوازن ، والمدبر ، الذي يستحق أن يكون أبا للبشر كلهم ، ونموذجاً للكمال الإنساني ، بحيث يرتفع إلى درجة نبي ، له طموحات ، وتطلعات الأنبياء ، لا يعيش لنفسه ، ولا تحركه شهواته ولا غرائزه بل يعيش لله تعالى ، ولا يفكر إلا