لماذا الإبهام ؟ ويبقى السؤال يلح بطلب الإجابة ، وهو : أنه لماذا لا يكون البيان الإلهي للنبي آدم ، واضحاً وصريحاً ؟ . . وما هي الحكمة في هذا الإبهام ؟ سواء بالنسبة إلى الشجرة ، أو بالنسبة لإبليس . . ونجيب باختصار : إن السياسة البيانية الإلهية ترتكز إلى أمر واقعي وهام ، وهو أن الله تعالى قد زود النبي آدم بهدايات من شأنها أن تصونه من مكر إبليس ، وهي هدايات عقلية ، وفطرية ، وشرعية ، وإلهامية ، وغيرها . . والنبي آدم هو خيرة الله تعالى وصفوته . فلا بد أن تكون هذه الهداية شديدة الحضور والتأثير في حياته « عليه السلام » . . ولكن من الواضح : أنه تعالى يريد أن يحفظ للفطرة دورها ، وللعقل دوره ، في الهداية ، والرعاية ، والتدبير ، والحركة في الحياة ، فلا يتدخل في شؤونها ، ولا ينوب عنها فيما هو من وظائفها ، إلا في المواضع التي لا يجد سبيلاً للاهتداء إليها . . كما هو الحال في الأمور الغيبية ، فإن الله سبحانه يفتح باب الهداية إلى ذلك الغيب ، ويكشفه له بالمقدار الذي لا يضر بدور الفطرة والعقل والإلهام ، وغيرهما من وسائل الهداية . . وقد كشف سبحانه للنبي آدم عن الشجرة ، وعن إبليس ، وعن عداوته له ، وبقيت جوانب أخرى غامضة لا بد أن يحيلها إلى الهدايات العقلية أو الفطرية لكي تكشفها له ، ولتمارس دورها وفقاً للضابطة ، وللناموس الطبيعي الذي أراد له أن يكون المهيمن على الحياة ، وهكذا كان . . وقد أعطى الله تعالى لتلك الهدايات كل القوة ، وكل الصلاحيات ، وكل الاعتبار . وإن كانت لا تستطيع أن تنفذ إلى بواطن الأمور ، بل تبقى في دائرة الظاهر . .