ولأجل ذلك قال : لا ينال عهدي ، ولم يقل : لا ينال الإمامة ، فإذا كان آدم ظالماً كما ورد في الرواية ، فكيف نال عهد النبوة ؟ وكان عنده خمسة وعشرون حرفاً من اسم الله الأعظم ؟ ! . . إن ذلك يدل على أن المراد بالظلم هو ظلم النفس ، بمعنى محاولة حمل أمور كبيرة عليها ، يصعب حملها في العادة . وقد تقدم : أن هذا الأمر العظيم الذي يدعوه لتحمل المشاق هو أمر يتناسب مع أهدافه كنبي يسعى إلى نيل رضا الله سبحانه ، والحصول على درجات القرب منه تعالى . فالمراد بالظلم إذن هو هذا المعنى ، وهو أن يحمّل نفسه المشاق ، وليس المراد الظلم للآخرين ، المتضمن للتعدي على حرمات الله سبحانه . . الحسد لأهل البيت عليهم السلام : وقد اتضح مما قدمناه أيضاً : أن آدم عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام قد كان منسجماً مع نفسه ، ومع أهدافه السامية - وهذا هو ما يفترض فيه - حين سعى إلى نيل مقامات القرب من الله تعالى ، وآثر تحمل أعباء هذا السعي . وهو قد سعى إلى نيل مقام معنوي أوحدي منحصر بأهله ، لا يمكن لأحد أن يصل إليه حتى الأنبياء . . وواضح : أن السعي إلى نيل مقامهم ملازم لإزالة صفة الإختصاص بهم عنهم ، لتحل محلها صفة المشاركة ، بل إن ذلك ملازم لأن تحل محلها صفة أدنى منها . لأن الرئيس مثلاً إذا أزيل عن مقام الرئاسة ليحل محله رئيس آخر ، فإن ذلك معناه زوال صفة الرئاسة عنه ، وإن كان لا يزال في مستوى عظيم من الاحترام . .