ومن هنا قيل إن التاريخ وقف على الأقوياء ، أما الجمهور فإنه يعطى مما يجد دون زيادة أو نقصان .
لكل ذلك ، فإننا نرى في تلك المقامات والمشاهد وثائق تاريخية من طراز رفيع تجتمع فيها ولها مبدئياً شروط الصدق والبراءة وسلامة القصد من منظور من شادها ورعاها كل بحسب موقعه ، ومعلوم أن صدق القائل أو الفاعل عند نفسه يأتي في المقدمة من صدقه إجمالاً أي بالنظر إلى صدقه بالقياس إلى الواقع الذي يتكلم عنه أو يعمل استناداً إليه { إذا جاء المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون } ( المنافقون / 1 ) . وهذا عنصر نقدي هام جداً يعفي الباحث من احتمال مقصد الكذب أو إخفاء الحقيقة " [1] .
ويقول أيضاً :
" إن يكن التاريخ المكتوب ، ما كان منه رسمياً وما كان منه خاصاً قد سكت حتى عن مجرد ذكر سكينة فإن النقولات الشفوية الشعبية تفتح لنا كوّة في هذا العتم المطبق ينفذ منها ضوء ضئيل لكنه على ضآلته ، يكفي بمعونة ما بين أيدينا من مصادر أخرى لبدء بناء تصور ما عن بعض أجزاء سيرتها [ أي السيدة سكينة ] الضائعة .
وهذا دليل آخر على أن الجمهور أكثر أمانة على الأجزاء التي تمس وجدانه من التاريخ وأسلم قصداً في حمله وأخصب حين يجدب غيره .
وطبعاً لا ننسى هنا ، بمناسبة هذا التنويه فضل الحديث الشريف الذي حفظ لنا ذكرها في تلك الأحاديث الثلاثة . فلولاها لما كان لدينا أدنى فرصة للاستفادة من تلك النقولات وتقديرها حق قدرها ، ولكان تأثيرها الوحيد فينا أن أثارت عجبنا واستغرابنا .
فعلى بعد الشقة وطول الزمان ما يزال أهل بلدة " داريّا " من ضواحي دمشق يحفظون لقبر متواضع فيها أنه المثوى الأخير للسيدة سكينة بنت علي عليه السلام . فإذا صح ذلك ولا سبب عندنا للشك في صحته ، فإن هذا يعني أننا أمام فرصة لا تقدر بثمن لإحياء وتجديد ذكر هذه السيدة الجليلة ، كأن المقادير والتدابير قد ذخرها لأهل هذا الزمان امتحاناً لصدق ولائهم ، وإحياءً لأمر أهل بيت النبوة .
لكن الكشف بقدر ما هو ذخر ، كما استحسنا أن نصفه فإنه يلقي على العارفين ، والقادرين مسؤولية جسيمة ذات أكثر من جانب من ذلك فيما يخصنا كباحثين في التاريخ وفي سيرة أهل البيت ( عليهم السلام ) خصوصاً أن ندرس حقه من الاعتبار وفقاً

[1] السيدة سكينة بنت أمير المؤمنين ( ع ) ص 17 و 18 و 19 .

28